الثورة الصناعية الرابعة

عبيدلي العبيدلي

"العالم على أعتاب نقلة نوعية جديدة من شأنها أن تغير، ليس فقط شكل  الصناعات وطرق الإنتاج فحسب، ولكن أيضا المنظور المعرفي للبشر تجاه الأشياء بصورة عامة". نورد هذه العبارة على لسان مؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي الدولي "كالوس شواب (KLAUS SCHWAB ) في كتابه الذي أثار ضجة واسعة النطاق في الأوساط الاقتصادية، والموسوم "الثورة الصناعية الرابعة" (Revolution The Fourth Industrial)   ، والصادر في العام 2016.

ويقع الكتاب، وفقاً لمراجعة الإعلامي الكاتب الشيخ المختار "في ثلاثة فصول (تناقش) مآلات وتحديات الثورة الصناعية الرابعة وتأثيراتها على البشرية سلباً وإيجاباً. تناول الفصل الأول رؤية الثورة الصناعية الرابعة مستعرضاً السياق التاريخي للثورات الصناعية الثلاث التي شهدها العالم، حيث امتدت الثورة الصناعية الأولى من 1760 إلى 1840 وتميزت ببدء مرحلة الإنتاج الآلي، بينما بدأت الثورة الصناعية الثانية أواخر القرن التاسع عشر وامتدت حتى أوائل القرن العشرين وتميزت بظهور الكهرباء وتضاعف الإنتاج في المصانع، بينما انطلقت الثورة الصناعية الثالثة في الستينيات من القرن الماضي، وتميزت بتطور الإلكترونيات والحواسيب المركزية.

وتختلف الثورة الصناعية الرابعة، عن سابقاتها الثلاث التي مرت بها بعض المجتمعات البشرية، أنها بنيت، كما يتحدث عنها الباحث عميش يوسف عميش "على أساس الثورة الرقمية وتمثل طرقاً جديدة حيث إنَّ التقنية أصبحت جزءاً لا يتجزأ ضمن المجتمعات وحتى وصلت جسم الإنسان. هذه الثورة الرابعة أصبحت علامة بارزة ومميزة بإنها تكنولوجيا حديثة النشأة وأنها اختراق في عدة حقول وساحات تتضمن وتشمل:الربوطيات الذكاء المصطنع، النانو تكنولوجي (أي تقنية تساوي جزءاً من بليون من الثانية)" .

وهناك ثلاث محركات، يرى كتاب صادر عن المؤسسة الاستشارية برايس ووتر كوبر (PWC)، تقف وراء هذه الثورة الرابعة، يمكن تلخيصها في:

1.   التحول الرقمي والتكامل لسلاسل القيمة العمودية والأفقية

2.   التحول الرقمي في المنتجات والخدمات

3.   تطوير نماذج أعمال رقمية للوصول إلى العملاء

على نحو مختلف، يرى الكاتب مدحت نافع، وفي ضوء قراءته لكتاب شواب المشار له أعلاه، أن "العوامل المحركة للثورة الصناعية الرابعة، والاتجاهات الكبرى لها تتمثل فى مظاهر ثلاثة هى: المظهر المادى (physical ) والمظهر الرقمى ( digital)  والمظهر البيولوجى ( biological)، (وينعكس ذلك) على الواقع العملى، فتخلق سياقا مستقبليا شديد الاختلاف للمجتمعات البشرية قبل نهاية القرن الحالي، ومن صور الاختلاف المرتقبة ما ساد من توقعات مفادها أنه بحلول العام 2025 سيكون 10% من الملابس التي يرتديها الناس متصلة بشبكة الإنترنت! وأن روبوتا أو إنسانا آليا يجسد الذكاء الصناعي المتطور والمفكر سوف يكون عضوًا فاعلاً في مجالس إدارات المؤسسات!، وأن كبدا صناعيا باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد سوف يتم زرعه بنجاح في جسد مريض!".

وفي السياق ذاته، وتحديدا، عما سوف تولده الثورة الصناعية الرابعة على أرض الواقع، وما ستفرزه من قيم، ترى الكاتبة في جريدة "البيان" الإماراتية مناهل ثابت أنَّ –الثورة الصناعية الرابعة-  "على غرار الثورات السابقة ستتميز بالقدرة على رفع مستويات الدخل العالمي، وتحسين نوعية الحياة للسكان في جميع أنحاء العالم، إذ إن منتجات التكنولوجيا ستتمكن من تقديم خدمات ومزايا جديدة للناس، بمعنى أنها لا تغير ما يقوم به الناس، ولكنها تغيرهم هم، وسيقدم الابتكار التكنولوجي، مستقبلاً، حلولاً وسبلاً جديدة تمكن من تحقيق مكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية، وفي الوقت ذاته، سوف تنخفض تكاليف النقل والاتصالات، وستصبح الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد العالمية أكثر فعالية، وستقل تكلفة التجارة، وكلها ستفتح أسواقاً جديدة، وتحفز النمو الاقتصادي، مثلما قد حدث فعلاً في عالم الاقتصاد الرقمي، الذي فتح آفاقاً جديدة، بما وفّره من عملات رقمية وعمليات التعدين، كالبيتكوين، والخدمات الاقتصادية للبلوكتشين، ولا ننسى تطبيقات وأجهزة الذكاء الاصطناعي، التي شكل ظهورها وتطورها علامة فارقة في تاريخ البشرية، وجعلت الإنسان يطرح السؤال على نفسه، أو كما قال تيم دنلوب: «إذا لم يعد البشر أذكى المخلوقات على هذا الكوكب إشارة إلى أجهزة الذكاء الاصطناعي - فبإمكانهم أن يعيدوا تخيل حياتهم".

الكاتب على موقع "إضاءات"  الإلكتروني حازم إيهاب يتناول بعدا مختلفا في إنعكاسات الثورة الرابعة على المجتمعات التي سوف "تجتاحها"، فمع "بزوغ المنصات الرقمية العالمية والنماذج الجديدة من الإنتاج، فإنَّ إعادة التفكير في معاني الموهبة والثقافة والأنماط الإدارية هو أمر حتمي. فهذا المزيج من التقنيات والذي يميز الثورة الصناعية الرابعة يجبر الشركات على إعادة النظر في كيفية قيامهم بأعمالهم والتفكير جديًا في هذه البيئة المتغيرة التي تتطلب ابتكارًا وتجديدًا مُتواصلين."

يشارك إيهاب فيما ذهب إليه، الباحث الإماراتي د. جمال السويدي الذي يكتب مسلطاً المزيد من الأضواء على البعد الاجتماعي لهذه الثورة مشيرا، على هيئة تساؤلات ملحة تبحث عن إجابات شافية، أنه "على المستوى الاجتماعي- الثقافي- الأمني، فإن الثورة الصناعية الرابعة تطرح الكثير من التساؤلات مثل: كيف يمكن التعامل مع ملايين الموظفين والعمال الذين من المتوقع أن يصبحوا عاطلين عن العمل بسبب التوسع في (أتمتة) الأعمال والاعتماد بشكل أكبر على الروبوت لكي يحل محل الإنسان في بعض الوظائف؟ وكيف ستؤثر الثورة الصناعية الرابعة في منظومات القيم بالمجتمعات المختلفة؟ وما تأثيرها في الأمن؟ وما تأثيرها في طبيعة العلاقات بين البشر؟ وغير ذلك من التساؤلات التي سوف تطرح نفسها بقوة خلال الفترة المقبلة".

وكغيرها من الثورات الثلاث التي سبقتها، تثير الثورة الرابعة مجموعة من التساؤلات مثل تلك التي وردت في دراسة قامت بها شركة برايس ووتر كوبر (PWC)، وطرحت تساؤلا: ھل ستحدث حالة بطالة جماعیة مع بقاء آلاف الأشخاص دون أي دخل؟ ّ (مضيفة) أن 38% من الوظائف الأمریكیة معرضة للخطر مع حلول عام 2030، وذلك بسبب حلول الآلة أكثر فأكثر كبدیل للبشر. وھذا ما أثبتته دراسة مماثلة قامت بھا جامعة أوكسفورد والتي بينت أن 47% من الوظائف ستختفي في العقدین المقبلین بسبب الأتمتة".