ترنيمة حزن


أحمد البدري | مصر
تلك الأشباح تتدلي من سقف الحجرة، كأن الخيط الرفيع المنسوج من خياله يراقصها، تتحرك يمنة ويسرى وغالبا لأعلى ولأسفل، كان شعاع الخوف المتراقص بين حدقاته يرقص معهم، تملكته الرعشه، يفرك عينيه في تحد صارم محاولا طرد الأشباح وإزاحة الخوف وقطع سبل التواصل بينهم وبينه، خرجت من شفتيه اليابستين نداءات متقطعة معتلة محاولا  استجماع قوته، او طرد الكابوس النائم فوق رئيته، وقع أقدام خارجي طرق أذنه ..أيقن أنه استيقظ من كابوس، فرح للحظات ربما تتلاشى الأشباح من حوله،  ربما تذهب الرعشة عن جسده، تدثر بكلمات من القرأن، طرد الجفاف المحتل حلقه بقليل من الماء، لم يترك الإناء إلا فارغا، لم تفرغ نفسه من الخوف بعد،  دارت حدقاته دورة كاملة مسحت كل ماحوله، تلاشت الأشباح ..
أخذ نفسًا عميق اهتز معه صدره، تجشأ.. طرد أخر ما تبقى داخله من خوف، حدَّث نفسه محاولا اختبار صوته المتقطع خرجت الكلمات متدفقة بلا عوائق، (اه ..جراب العفاريت)  كانت ذاكرته ترسل نبضاتها إليه استقبلها بشغف. حاملة الجراب تلك الحسناء.. ظلت تتراقص أمامه  جسدها البض وألوان ثيابها الزاهية، ربما سطت على أنفاسه، كيف لنظراتها المجهولة المعني أن  تسلبه إرادته في حق التفكير ولو للحظة، سحبته خلفها، كان كوخها المنعزل عن الكون يقف وحيدا إلا من شجيرات عجاف قد تركت فروعها للخريف يثتأسر بها دون فصول العام، بابها الذي يكشف ما بداخله أكثر مما يستر، لكنه أوقف خطواته حين اصطدم الباب في وجهه الشغوف لمعرفة ما داخله، ألقت بجرابها المزركش خرجت دجاجات يتعاركن وأوز يصرخ منه، كيف لهذا الجراب أن يحوي داخله كل هذا، انتقلت الألوان والنقوش من الجراب إلى ما كان بداخله من لحظات، ملامح عجوز تطفو على فضاء الكوخ تم تغوص في ثنايات الأطلال، لم يشعر بقدميه شك أنهما بترتا، لم يتوقف كثيرا عندما رصدته عينا حاملة الجراب وهي تتخلى عن ملابسها قطعة قطعة، كانت قطرات الدم تتساقط علي قدميها فأكسبتهما لونا جديدا، شرد قليلا وفتح فاه علي قدر استطاعته عندما وجدها ترقص عارية وتتعالي همساتها بصوت ممزوج بالأنات، تمد ذراعيها وكأنها تحتض شيئا لا يراه، يظل يبحث عن العحوز لم يجدها، مازالت ترقص رقصاتها المجنونة بلا توقف، التقت قطرات الدم بالأرض فنبتت أجسادا وشخوصا، التف حولها الكثير من الرجال والنساء شاركوها الرقص المجنون ، صار الجميع أشباح إلا هي، تحولت الأشباح إلى بقايا جماجم ، تطايرت من عينيها نظرات أصابته بالرعشة لم يستجمع قواه، حاول أن يقاوم ..ان يجد طريقا للهروب... أن وأن  ..فكل مرة يفشل.. تقترب منه  ..تلتهمه في جرابها....

 

تعليق عبر الفيس بوك