صدرت حديثًا في بيروت:

 

رواية سيرة الفراشة ـ للروائي العراقي محمد حيّاوي


عند دار شهريار البصرية وباتفاق خاص مع دار الآداب البيروتية، صدرت قبل أيّام رواية "سيرة الفرشاة" للكاتب العراقي محمد حيّاوي، وهي الخامسة له بعد "ثغور الماء" و"طواف متّصل" و"خان الشّابندر" و"بيت السودان". وتحاول الرواية الجديد، حسب الناشرين، أن تروي مأساة جيل كامل ينسحق تحت آلة الحرب المُدمرة وتُنتَهك تطلّعاته وتتبدّد أحلامه ويفقد هويّته وذاكرته وتاريخه، لا سيما هؤلاء الذين لديهم مَلَكة الإبداع والخلق، فثّمة الموسيقي عازف البيانو "بسّام" وصانعة الرسوم المتحركة زوجته "ندى" والفنانة التشكيلية المغرقة في التصوف "نارسس" سليلة الأسرة الإيرانية الارستقراطية، واستاذة الموسيقى "سارة" المرأة اليهودية اليساريّة التي تنتشل "بسّام" من ضياعه وتخبّطه في مخيم اللاجئين وتقدّمه إلى عالم الموسيقى المبهر.
لكنّها في الوقت نفسه قِصَّة البسطاء من العرب، هؤلاء الذين أضاعوا بوصلتهم ووقعوا في لحظات نادرة من التاريخ في براثن الخديعة والعنف والرّذيلة من دون أن يفقدوا أرواحهم تماماً، مثل "نعيمة" و"نسيمة" و"عبد الله" و"أم حسونة" وغيرهم.
وفي المحصلة تحاول هذه الرواية، التي استندت إلى تكنيك غير معقّد ولغة خاصّة، أن تقدّم تلك التفاعلات الدرامية الموجعة وترصد التأثيرات الإنسانية الساحقة، من دون أن تتدخل في الأحداث أو تنحاز إلى جهة أو معتقد ما أو اخضاع تلك الأفكار والانثيالات لمحاكمة غير منصفة، لا ترصد في الواقع سوى الانسحاق الإنساني، في محاولة لاطلاق صرخة مكتومة، لا تكاد تغادر الحَلْق، ليس بوجه الحرب ومأسيها وحسب، إنما بسبب الألم الموجع.
الثيمة الدرامية للرواية
"ندى" امرأة في الثلاثينات من العمر وفي الأسابيع الأولى من حملها بطفلها الأوَّل، تَعْلق في الجانب المهجور من مدينة حلب التي تطحنها الحرب. غادر زوجها "بسّام" بحثاً عن سيارة ما ليفرّوا بواسطتها خارج المدينة، بعد أن طلب منها عدم مغادرة الشقّة مهما حصل، لكنّه يختفي في ظروف غامضة ولم يعد له أثر.
تبقى "ندى" وحدها في الشقّة الواقعة في حي صلاح الدين المسيحي المهجور وهي تراقب نمو الجنين في أحشائها ببطء، وسط عزلة مهولة، حيث تُكمل بناء عالمها المحيط بها في تخيّلاتها، فتترائى لها الستائر في الشقق المقابلة أشباحاً طيّبة تلوّح لها في الليالي، وتتساقط العصافير الميّتة بغموض في شرفتها الباردة لسبب لا تفهمه، وثمَّة كلب أسود في الشارع يتطلّع لشرفتها يومياً ويفرض عليها علاقة مبهمة، كي تلقي له بعصفور ميّت ليلتهمه، وفتاة يافعة تظهر في إحدى النوافذ دائماً، تسند رأسها إلى ذراعها بسأم وتُراقبها. وعندما تشتدّ الوحدة عليها وتُطبق العزلة على صدرها تقرر النزول إلى الشارع والذهاب إلى الشقة المقابلة حيث الفتاة المتكئة، علّها تجد من يؤنس وحدتها القاتلة، لكنّها لا تجد أحداً هناك فتعود أدراجها إلى شقّتها، وفي الشارع الفاصل بين العمارتين يُداهمها الكلب الأسود الذي طالما ألقت له بالعصاقير الميّتة، فتسقط على حافّة الرصيف وتُجهض جنينها وتبقى مُعلّقة بين الحياة والموت والكلب يدور حولها ويهّر، وفي هذه اللحظة يظهر "عبد الله"، الشاب الطويل الملتحي من أصل مغربي المتورّط مع أحدى المنظمات الإرهابية لينقذها وينقلها إلى شقّتها ويعالج جراحها ثم يقنعها بضرورة اخراجها من العزلة المميتة وانقاذها حسب وعد كان قد قطعه لزوجها "بسّام" عندما التقاه في سجون الدولة الإسلامية وهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به كونه مسيحي وموسيقي.
تُغادر "ندى" مع "عبد الله" بعد أن تستوثقه بالعهود والحلفان كي لا يغدر بها، ومن هنا تبدأ رحلة عجيبة تخترق فيها مواقع المتطرّفين ثم التفاوض مع أحدى وحدات الجيش الحر لمساعدتها واخراجها إلى تركيا حيث تتعرف إلى "نعمية" أخت "عبد الله" التي سبق وان جاءت معه للجهاد في سوريا لكنّها اكتشفت حقيقة الارهابيين فقررت الهروب، على ان يلحقها "عبد الله" في أوَّل فرصة تتاح له، لكن الأخير يظل عالقاً هناك بعد رفض العقيد "سعيد الشامي"، قائد وحدات الجيش الحر هناك باستقباله ومساعدته كونه من مقاتلي الدولة الإسلامية، وبمرور الأشهر وتتابع الأيّام على "نعيمة" في مدينة مرسين التركية، وتحت ضغط الحاجة والخوف والاستغلال تسقط في طريق الرذيلة هناك ويُصادر السماسرة جواز سفرها حتى تسدّد لهم مبلغ عشرة آلاف دولار من عملها في الدعارة. في ظل هذه الأوضاع تصل "ندى" إلى تركيا وتلتقي بـ"نعيمة" وتحاول مساعدتها واخراجها من الوضع المأساوي الذي وقعت فيه للإيفاء بوعد قطعته لأخيها "عبد الله" عندما أنقذها في سوريا، لكن ضياع حقيبتها ووثائق سفرها أثناء الرحلة المضنية، حوّلها إلى عالة على "نعيمة" التي تحاول مساعدتها واخراجها من تركيا خوفاً من أن تلقى المصير نفسه الذي لقيته، وبعد محاولات تتمكن من تزوير جواز سفرها ووضع صورة "ندى" عليه لتسافر بواسطته إلى قبرص عبر رحلة تهريب ليلية، ومن هناك إلى اليونان ثم ألمانيا حتى ينتهي بها المطاف في معسكر للاجئين في هولندا، وهناك تتعرف إلى امرأة هولندية من أصل إيراني كانت هي الأخرى ضحية من ضحايا نظام الملالي في بلدها، تعمل كمتطوّعة لدعم اللاجئين، وتنشأ علاقة إنسانية وصداقة متينة بينهما، وذات يوم تقرر تلك المرأة اصطحابها إلى بيتها في أمستردام لحضور احتفال تقيمه مع أصدقائها بمناسبة ليلة يلدا، وهناك تجد زوجها "بسّام" الذي تحوّل إلى "ليفي" يعيش مع صديقتها الإيرانية علاقة حب روحيّة عميقة، ولم يتمكن من معرفتها كونه أصيب برأسه إصابة بالغة عندما كان في أسر المتطرّفين فقد على إثرها الذاكرة، على الرغم من محاولاتها العديدة لتذكيره، وفي النهاية، وفي لحظة يأس وإيثار عارمة تقرر تركه يعيش قِصَّة حُبّه الجارف مع "نارسس"، المرأة الإيرانية وتعود إلى المخيم ومنه إلى سوريا من جديد من دون أن تخبرصديقتها الجديدة بحقيقة زوجها "بسّام" الذي يعيش معها على أساس كونه "ليفي" اليهودي.
وعند عودتها إلى تركيا، تجد "نعيمة" مُلقاة في السجن بتهمة مُلفقة وفي ظروف غامضة ، فتقرر دفع الكفالة الباهضة لها واخراجها من السجن ثم إعادة جواز سفرها إليها بعد تعديله وشراء تذكرة ذهاب لها إلى طنجة لتبر بوعدها لأخيها "عبد الله" الذي لا تعرف مصيره، ثم تعود إلى شقّتها المهجورة في حي صلاح الدين لتنتظر قدرها وتستعيد الأحداث التي مرّت عليها أثناء رحلتها العجيبة مثل شريط سينمائي، وسرعان ما تُعيد علاقتها بالأشباح الطيَّبة المُتخاطفة في الشقق المقابلة وطيف الفتاة المتكئة الغامض، حتى تكتشف في أحلامها وتخيلاتها مغادرة تلك الفتاة وقريناتها العذارى نحو الجبل تلاحقهن الكلاب السود، ووسط الليل والعزلة والخوف والضياع تتكوّر على سريرها البارد وتتخيل "عبد الله" وقد عاد ليحميها من جديد وهو يطلق إطلاقة واحد في الهواء تفر الكلاب على إثرها لتواصل العذارى صعودهن إلى السماء بهدوء وسط أصوات القنايل والانفجارات البعيدة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك