اقتصاد المطارات

حاتم الطائي

صناعة المطارات واحدة من أعظم روافد الاقتصادات حول العالم

الافتتاح الرسمي لمطار مسقط الدولي ترجمة لاستمرارية مسيرة النهضة المباركة

المطار الجديد يدعم نمو القطاعين السياحي واللوجستي ويوفر فرص أعمال ووظائف متنوعة

باتت صناعةُ المطارات واحدةً من أعظم روافد الاقتصادات حول العالم، فكم من مدينة انتقلت إلى العالمية بفضل أحد مطاراتها التي خُطط لها بعناية، ونُفذت أركانه ومرافقه بحرفية شهد لها المختصون والخبراء، وأبهرت الزوار، وجعلت من المطار مزاراً سياحياً في حد ذاته، فضلاً عن كونه بوابة كبرى للقادمين والمُغادرين والتجارة الدولية.

واليوم، وبتكليف سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-، وفي إطار احتفالات بلادنا الحبيبة بالعيد الوطني الثامن والأربعين المجيد، يرعى صاحب السُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، حفل الافتتاح الرسمي لمطار مسقط الدولي، وهو المطار الجديد الذي بدأت عملياته التشغيلية التجارية بالفعل في مارس الماضي. والافتتاح الرسمي المُتزامن مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني الثامن والأربعين المجيد، يحمل العديد من الدلالات، في مقدمتها التأكيد على استمرارية مسيرة النهضة المباركة، وتواصل مشاريع التنمية الشاملة، على الرغم مما قد نمر به من تحديات اقتصادية، لكننا بالإصرار والعزيمة نضع اللبنات التنموية واحدة تلو الأخرى. كما إن افتتاح المطار يُعزز الشعور الوطني العام بما يتحقق من منجزات في شتى القطاعات، وبما تقوم به الدولة من تحديث مُستمر للمرافق والخدمات المقدمة.

لقد تَحوَّل مطار مسقط الدولي في حُلته الجديدة، إلى أيقونة عُمانية عصرية، وبات يُمثل درة التاج في منظومة مطارات عُمان، التي تشهد عملية تطوير شاملة تؤهلها لتكون منافساً قوياً بين نظيراتها من المطارات الإقليمية، فالمُستقبل يُبشر بخير وافر في مطارات الدقم وصلالة وأيضًا صحار، وغيرها من المطارات المُرتقب الإعلان عن تدشينها في المُستقبل القريب. واللافت للنظر في مطار مسقط الدولي أنَّه مرآة للهوية التسويقية الجديدة لمطارات عُمان، ويتجلى ذلك أيضًا في مطاري الدقم وصلالة في حُلتيهما الجديدتين. ومما يبعث على الفخر أنَّ مبنى المسافرين في مطار مسقط الدولي تمَّ تصميمه كي يستوعب 20 مليون مسافر سنويًا، على أن يزيد هذا العدد إلى 56 مليون مسافر مُستقبلاً، ما يعني قدرتنا على المُنافسة الإقليمية بكل قوة. ومطار مسقط الدولي ترجمة صادقة لجهود الاستثمار في البنى الأساسية؛ حيث يمثل واحدًا من أعظم مشروعات البنية الأساسية في السلطنة، بفضل ما يتضمَّنه من مرافق قادرة على العمل لمئة سنة على الأقل مُستقبلا، وهو المشروع الوطني الأضخم خلال السنوات العشر الأخيرة.

وينعكس الاهتمام المُتنامي بقطاع الطيران المدني وحتمية تحديث منظومة المطارات في السلطنة، على ما يتحقق من نتائج إيجابية بفضل التوسع في إنشاء المطارات والعمل على رفدها بأحدث النُّظم التقنية وبنائها وفق تصاميم معمارية فريدة تعكس الطابع التراثي العماني وتبرز جماليات الإبداع المُعاصِر، في ثنائية تمَّ مزجها بعناية شديدة، أخرجت لنا هذه التُّحفة التي نفتخر بها، ويسعد بها كل مُسافر.

واقتصاد المطارات الذي نشير إليه، جزء من النظام الاقتصادي المتكامل؛ حيث تتضافر جهود شتى القطاعات لخدمة الاقتصاد، وفي المثال الذي نسوقه، وهو المطارات، يكون قطاع الطيران المدني أحد أبرز العوامل المُحفزة للنمو الاقتصادي، عبر ما يُقدمه من عناصر إيجابية تستحث هذا النمو وتصعد به إلى مُعدلات مُرتفعة، تعكس حجم المُنجز التنموي، وانعكاساته على القطاعات الأخرى، وتأثيرات ذلك على الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى دخل المُواطن، وغيرها من المؤشرات.

دور رائد إذن يُسهم به مطار مسقط الدولي في تنمية القطاعات الاقتصادية، وسأسعى للتركيز هنا على قطاعين بالغي الأهمية؛ قطاع السياحة، والقطاع اللوجستي، وهما ضمن القطاعات الواعدة التي تُعول عليها حكومتنا الرشيدة لتعزيز التنويع الاقتصادي، وخلق وظائف وفرص أعمال للشباب وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما سيدعم في المقابل قطاعات أخرى، وفق نظرية الأواني المستطرقة. فالقطاع السياحي يشهد تطوراً لافتًا، سواء على المستوى التنظيمي، من حيث تقديم الحكومة لمزيد من التسهيلات فيما يتعلق بإمكانية حصول السياح والقادمين للبلاد على التأشيرة السياحية، أو على مستوى التوسع القائم في المنشآت الفندقية والمنتجعات السياحية، والتي تعول كثيراً على ما سيُسهم به مطار مسقط الدولي في زيادة أعداد الزائرين للبلاد، وبالتالي تشغيل هذه المنشآت وتحريك عجلة القطاع السياحي، مستفيدين في ذلك مما تملكه السلطنة من مقومات سياحية، ومنها موسم الخريف في صلالة، والشتاء بشتى أنحاء البلاد.

أما على المستوى اللوجستي، فمطار مسقط الدولي يُقدم الدعم الكامل لتطور ونمو الخدمات اللوجستية، ويخدم آليات تطبيق إستراتيجية الشحن الجوي التي تضع نصب أعينها تحقيق معدلات شحن جوي تصل إلى 780 ألف طن بحلول 2030، ومن ثمَّ الوصول إلى 1.5 مليون طن بحلول العام 2040، وبذلك سيكون القطاع اللوجستي قادرا على الإسهام في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 14 مليار ريال عُماني بحلول 2040، فضلا عن توفير 300 ألف فرصة عمل للمواطنين، وهي التقديرات التي تسعى مؤسسات الدولة لتحقيقها وفق رؤية طموحة وجهد مضنٍ.

ويبقى القول.. إنَّ مشروعات المطارات في الكثير من دول العالم، باتت مُحفزا اقتصاديا، ومطار مسقط الدولي الجديد تحول الآن إلى بوابة للاستثمار والسياحة والتجارة الدولية؛ حيث يشجع المستثمرين على ضخ رؤوس الأموال وبناء شراكات استثمارية محلية، فضلاً عن نمو أعداد السياح والزوار، وارتفاع معدلات التجارة الدولية، من خلال ما يوفره المطار من إمكانيات الشحن الجوي، وبما يُسهم به كحلقة وصل بين مختلف القطاعات، وما يؤديه من دور تكاملي في المنظومة اللوجستية بشكل عام.