رأيتُ طفولتي في قلعة


زهير بردى | العراق


الشارع مليء بالضوءِ وملحِ الماء . بصورِ أحداقِ المارة ونبيذِ شمسٍ . تتسلّل من رخامِ تمثالٍ في جدرانٍ مستلقية . ومقاهٍ كأنّها كتابٌ وكلماتٌ محمولة على ظهرِ دمعة.
...................
لا أذكر أني رأيت طفولتي، أتذكر فقط أني كنت أُشاغب التماثيل وأفرك أذن قلعة قديمة لتنطق بنسبها، كنت أغسل  بصابون الركي ثيابا تطلع لي من معبد كنت أطعن كتاباته الغريبة كي أفهم من أكون.
..............
في الأقلِّ أنا المترصّدُ بحطامي من لوعتي, لم أطلب من المدينةِ سوى ألف بغداد ووترٍ من قيثارتِها. كما كنت أرغبُ أنْ أصحبَ ثورَها المجنّحِ, ينحني لنا شارعُ الموكبِ ببلاطاتِه وفرسانِه وخاماتِ ساحاتِه وجدرانِه الملساء. ونحنُ نقرأُ في خشوعٍ مسلّة َحمورابي على أقلِّ طلب
..............
أنا كلامي مسيرة ووقتي إرتعاش .حنجرةٌ تحلّق لا أعرف سوى صيغةٍ واحدة أن تكون يدي وردةً وجسدي سجّاد موسيقى. تزخرفُ حنجرةَ الهواء والتراب ثقوبٌ في هيئةِ كلامٍ وارتعاش حنجرة
.......................
بلا جدوى أتلاشي كلَّ يومٍ كطيورٍ تتلعثمُ في الظلام. وأنا أنحني بزفيري الساخن خارجاً من زجاجةِ الأرضِ. أقفلُ كعادتي شيخوختي بحبّةِ  غبارٍ ثملة. وأحكُّ الهواءَ بمنمنماتِ كلامي غير مبال بسقوطِ الشمس الجاحدة على رأسي .وأنا بلهفةِ العجوز أصلُ إلى البحرِ لأسبحَ مثل حيّة لا تقدرُ أنْ تسيرَ إلى الخلف.
...............
مأثرةٌ رائعةٌ حظّي القاتم يطاردُ وهمَه بوحلي الذابل.
هو وحده يحرّضني على الجنون. ويطوي ابتسامتي العرجاءَ، رغوتي لا تسمعني حين أعتني بحياتي الصغيرة. والمومياءُ تمسكُ بي وتلمّني في عريِها المخيف مأثرة حقّا.
.............
لا تعنيني شهوتي وأنا أحدّقُ بيأسٍ في نارٍ تحرفني بحطبِ الظلِّ. وأحيط بصري بهشيم الوهم وأتقدم نحو حياة أحبها بجنون واعٍ وأنا أبعثر أوتاري قاطبة في نعي الأضرحة وتأمل أكاليل الحب.
........................
لغو الأخطاء صاخب وأنا بتاجي الأرضي أطارد الأيام، أسمع نداء خرافة ضاعت في ضجيجي الباهت فأطوي أجفاني بالثلج وأتسكع عاريا وعوائي يسيل في جنائن الليل كعواء ذئب بعيد.
..........................
أسمعُ العشبَ, جرسَ عويل الهواء دهشةَ النار من فراشِ عاشقٍ, وأسمع الأمواج تتباهى بانحدارها أسمعك مثل أنفاق، تطعنك حيات الظلام وأنت تتعثرين في رفاتك وتفتحين فمك برفق تستجيبين لرغبة ضوء أبله يعزف لك دهشته.
.................
أتعقّبُ الذاكرةَ تتعثّرُ عائدةً في خيمة أفكاري. أتعقّب صوتي بين فمي وفم امراة لا تفهم أنَّ أعوامي تبصرها تبطشُ بشهوتي، أتعقّبُ ليلاً يخرجُ من توتّرها  وأقبلُ عليه بصبواتي التي, تبعثرت منذُ غدٍ من ذاكرتي.
....................
أفقٌ يعوي خلفي وأمامي فراشةٌ تحتَ سماء. نادراً ما تنامُ تمشي كطاؤوس إلى ما يناسبها من عشبِ نظرتي المؤبدة,  غروري لا طاقة له بتحمل موسيقى جنوني. نادرا ما تستدلُّ الغوايةُ إلى فمي بأفعى الرمل. سيغدو كلّ ما يتدحرجُ إلى جسدي جنّا أخشى لمسَه لأستمرَّ بشمِّ أصابعي كعرّاف.

 

تعليق عبر الفيس بوك