جمال قيسي | بغداد
ربما انا أسير بمنهج مغاير، أو هكذا يبدو، لكن من يتمكن من مسايرة الفوضى التي أخلقها باقتحامي لعمق النص أقول ربما سيجد لي العذر، فأنا أتصور أن النص الأدبي. مهما كان جنسه، هو كيان قائم بذاته، وكيان حيوي لديه وعيه الخاص، اسميه أحيانا الجهاز العصبي للنص، يتخطى الكاتب، وهنا أتكلم حصرًا عن النص الأدبي وقد وجدت ضالتي عند تيزيفان تودروف في جانب منها "الحقائق المزعجة للجنس البشري الذي ننتمي إليه، أو لنا بالذات - لها حظ أكبر في الوصول إلى أن يُعَبْر عنها في عمل أدبي من بلوغ ذلك في مؤلف فلسفي أو علمي .
فالفكر الأدبي لايخضع للامتحانات التجريبية أو المنطقية، بكل تأكيد، ولكنه يهز جهاز تأويلنا الرمزي " طبعًا تودروف يذهب إلى مكان أبعد من ( النماذج العليا ) ليونغ أو التطوير اللافت لـ لاكان في ( البنيات اللاشعورية )، أو لنقل أكثر تحديدًا عندما يقول " اللجوء إلى القصص وإلى الأمثلة وإلى الحالات الخاصة، وبهذا المعنى فإن المؤلفات أكثر ذكاءً من مؤلفيها وكذلك فإن تأويلاتنا لها أكثر ذكاء منا نحن".
ماذا يعني هذا الكلام، ببساطة وعينا يكتسب معرفة مورثة وأولية، أنا اسميها الجينوم التاريخي، وهي عند كانت الملكة الأولى او مبدأ العلة الكافية التي توسع فيها شوبنهاور؛ أي بمعنى آخر وكأن هناك برنامج مبيت في وعينا، قبل الوعي المكتسب أشبه بمعلومات المصنع في أجهزة الديجيتال، وممارسة حلم اليقظة، أو الخيال للكاتب عملية فيها استدعاء لا إرادي من هذا الأرشيف المبيت في وعينا، أو عقلنا الأولي يتم توظيفها مع المعطيات الراهنة لحظة كتابة النص بالطبع هذا تبسيط مفرط للموضوع.
وعودة على النص موضوع البحث فهو من جنس القص الشعبي، وهذا جنس نال من الدراسة والبحث على مختلف الأصعدة سواء على يد الأخوين جريم أو فريدرش فون ديولاين ، أو فلاديمير پروپ، وفي الأدب العربي كانت الجهود الرائعة لنبيلة إبراهيم وسعيدي محمد وَعَبَد الحميد بورايو، وآخرين إلا أن عملهم اعتمد على المنهج الغربي.
بشكل عام لانريد أن نسرق لذة النص بالبحث الأكاديمي، لكنني حددت الاتجاه من خلال العنوان، وقيدته بالمنحى الأنثربولوجي، وهو ما سنوضحه، وعليه فالحكاية الشعبية هي ترجمة لعدم قدرة الإنسان على تحقيق رغبات معينة على مستوى الحقيقة والواقع وبالتالي يظل متمسكًا بها أمام عدم تحقيقها واقعيًّا وأمام هاجس وقوعها فيلجأ إلى الحلم والخيال، وهنا تشترك الحكاية الشعبية مع باقي أجناس الأدب في قضيته الجوهرية المتمثّلة بسؤال الحرية. ومع النص الذي نحن بصدده يندرج تحت صنف الحكاية العجيبة؛ إلا انه يتماهى مع صنف الـ ( الفابولا ) أي الخرافة الرمزية بحكم توظيف شخصية الشيطان، وهي ليست المعنية بحد ذاتها وإنما بما تقوم به من فعل وماتحمله من دلالة.
سنرى الإحالات الانثربولوجية بسيميائية الملفوظات لنستطيع أن نقدر أهمية النص، فالعنوان (ستمورنينج)، ملفوظ مصطنع راهن في المجتمع الشبابي المصري له دلالة وإحالة لنمط وسلوك ثقافي وهو تدخين المخدرات على شكل سيجارة صباحية، أو ( اصطباحة ) وفق اللهجة الدارجة، ولفظة ( مُزة ) تعني الفتاة الجميلة والمثيرة ، مع توصيف كامل للنمط السياسي والاجتماعي والنفسي بأسلوب ساخر وجميل ومشوق، وكان للكاتب لفتة ذكية في شروط. الشيطان كتبرير لاستخدامه أسلوب الحكي الشعبي مع السؤال للحادث المبهم بمقتل خاشقچي.
النص السردي متكامل الأركان من عقدة ومحاولة حلها إلى عقدة أخرى، وكذلك تحقق المبدأ الحواري أو التناص؛ لكن الملاحظة الوحيدة لدي عليه، أن الكاتب لو تأنى قليلًا، وأعطى الجمل والعبارات، شاعرية أكثر، بالتاكيد سيكون نصًّا متفردًا، بعد إبعاد النمط المسرحي ، والإيغال بالأسلوب السردي.
أقول إن النص في غاية الروعة والتشويق، والحبكة جميلة، والنهاية مقنعة، وهذا الجنس الأدبي نادر، ويحتاج إلى موهبة فذة، ولانستغرب أن يخرج من بلد الكبير صلاح چاهين مبدع آخر، وأتمنى على محمود زعير أن يواصل إبداعه في هذا الجنس الأدبي النادر.
.................................
نص: ستمورنينج
محمود زعير | مصر
امبارح بالليل لقيت حد بيخبط على باب الأوضة . طبعا وكالعادة مش بفتح إلا بعد ما يخبط مرة واتنين وتلاتة وعشرة . وفي الأخر اللي بيخبط بيقول هو عاوز ايه ولإما اتواضع حضرتي وأقوم أفتح له ، لإما أطنش ... ما هو انا عارف مين اللي بيخبط . إما الأستاذ محمود المحاسب وده زي اخويا الصغير وطبعا طلباته كلها مجابة .. وإما يكون اللي بيخبط هو البشمهندس أحمد وده بقه أطيب قلب ممكن تشوفوه في الدنيا . بس انا مش عارف ليه بكون انتهازي معاه . يجي يطلب مني اي حاجة اقوله طيب اعملنا شاي وتعال وانا هعملك اللي انت عاوزه
وإما اللي بيخبط هو الأستاذ مطر .. وما أدراكم ما مطر !!! شخصية غريبة عجيبة كده بس عبقري .
المهم . ما اطولش عليكم قولوا طول ....... الباب لما خبط لقيت نفسي قمت أفتح من أول مرة من غير ما أقول انت مين وعاوز ايه الساعة دي وايه اللي جابك و....... إلخ
فتحت الباب لقيت واحد شبه مرتضى منصور واقف ع الباب . فأنا قلت لنفسي هو مرتضى منصور خلص شتيمة في ديك أم الدولة وجاي يسب لديك أمي؟؟؟ ولا يا ترى معاه سيديهات ليا أنا كمان ؟؟؟ !!! المهم لقيته قال لي أنا لا جاي أسب لديك أمك ولا معايا سيديهات ليك .. أخدت نفس غووويط قصدي عميق واتنهدت ... المهم هو دخل الأوضة وقعد يبص فيها . قلت لنفسي هو سيادة المستشار مرتضى اشتغل في المباحث ولا ايه ؟ المهم . قعد يفتش في الحاجات اللي موجودة ، في اللحظة دي كأني شفت هاني رمزي في فيلم نمس بوند ..
اها . هيردو شامبو . تؤتؤتؤ . انجرام معجون حلاقة . سنسوداين للأسنان .. ايفا مبيض أسنان . وإيه الكريمات دي كلها ؟ يا حلاوة يا حلاوة . انت ياض : ازازة البارفان دي بتاعتك ؟
استغربت اوي أنه بيقول بارفان ، والحمد لله أنه ما قالش كانوليا زي محمد سعد في فيلم تحت الترابيزة .
قلتله ايوه بتاعتي . قال لي بس دي تمنها ١٢٠٠ بديك أمك ، قلت الله الله الله . طالما بدأت بأول ديك يبقى الأوضة هتتملي ديوك وهتبقى عشة فراخ ، وثانيا يا عم الحج دي ازازة انا جايبها من عند حمادة صاحبي بتاع العطور. والإزازة فعلا من ام ١٢٠٠ بس اللي جواها بخمسة وخمسين وحياتك .
انا قلت لنفسي هو انا عامل له حساب كده ليه ؟ ده انا خالي رجل أعمال كبير وبتليفون واحد ينفخ أبوه . ولا لا .. بلاش خالي .. انا اتصل بمكتب اللواء ( ...... ) اللي كنت بكتبله الخطابات اللي بيقولها في المؤتمرات . وهما ينفخوا اللي خلفوه .
_ جمدت قلبي كده وقلتله انت مش عارف انت بتتكلم مع مين ؟؟؟؟؟
قال لي ديك أم اللي يهزر معاك تاني يا ابو حنفي . ولقيته خاف واترعب ووشه جاب ألوان لما قلتله أن علاقتي كويسة بلواء في المجلس ال.......أيام ما كنت في ال ....... لدرجة ان قائد ال....... اللي كنت فيها كان بيجي يشرب معايا القهوة في خيمتي المتواضعة ، ويقولي حبيبي يا شاعر ملكش بركة إلا عمو حبيبك
المهم ... قلبي جمد وحسيت اني عامل زي احمد السقا في فيلم الجزيرة وقلتله عاوز ايه يا مرتضى ؟
قال لي أنا مش مرتضى ؟ قلت له أمال انت مين يا عم الحج ؟ قال لي أنا مش حاج . قلت له انطق انت مين ؟
قال لي أنا الشيطان ....
لي لي لي لي لي الشيطان بنفس ذات نفسه جايلك يابو الأحناف
شربت شوية مية واخدت نفس واتأكدت أن بنطلوني ما اتبلش ... وبالمناسبة كلمة اتبلش اللي اقصدها يعني البنطلون ما اتبلل . مش اتبلش بلهجة اخواننا السوريين والفلسطينيين واللبنانيين .
المهم . اتأكدت أن البنطلون ما اتبلش وقلت له عاوز ايه يا ابن ال.........
قال لي أنا مخنوق اوووووي وجيت افضفض معاك .
قلتله فضفض يابو الشياطين . فضفض ولا يهمك
قال لي والله المعيشة صعبة اوي . قلتله هو انتوا كمان عندكم غلاء معيشة ؟ قال لي طبعا وعيط.
حاولت اسكته ما يسكتش . اقوله استهدى بالله يا شيطوني انت ( بدلعه ) يبص وعنيه تطلع شرار .. اقوله طيب صل ع النبي . لقيته حط أيده على ودنه ... قلت له طيب اسكتك ازاي بس ؟ قال لي شغل مزيكا لعبسلام ولف سيجارتين كده وخلي الكلام يحلو .. قلت له يا ابو الشياطين المزة بتاعتي قالت لي ما ادخنش . قال لي تقصد البت ....... قلت له يخرب بيت ابوك هو انت عارفها كمان . قال أنا عارف كل حاجة بس مدكن
المهم . قلتله ايه اللي مزعلك بقه ؟
قال أنا ارسلت شياطيني يتعلموا من من الرؤساء العرب وفشلوا .... بكى بحرقة وقال دفعت نار قلبي عشان يبقوا ظلمة وجبابرة وخونة وولاد حرام زي الرؤساء العرب وما فلحوا . ونسبة البطالة بين الشياطين ارتفعت بسبب البشر المنافقين .
قلت له معك حق يا إبليس .
لقيته قال لي شوف يابو حنفي . انتم بشر أغبياء . قلت له احترم نفسك وما تغلطش . قال بجد أغبياء . قلت له طيب عرفني ليه . قال حكامكم خونة . وإعلامكم فاسد . والمخلصين منكم في السجون . والسفهاء هما اللي بيحكموا . وبتقتلوا بعضكم وعدوكم قدامكم وسايبينه . وبتصدقوا الكدابين . وبتكدبوا كل صادق . وبتكرهوا بعضكم . والأخ ما بيحبش اخوه . والحرام بقه حلال . والحلال بقه حرام. والجار مخاصم جاره . والشيخ والقسيس أصبحوا عبيد للسلطان . والرشوة كثرت . والغش أصبح في كل شي . والضمائر انعدمت . والقتل اصبح سهل . والمجتمع أصبح غابة . واللي ينطق اي كلمة بسم الله أو بسم الدين بيبقى ارهابي . والغرب مستعبدكم . ولا بتصنعوا شي ولا بتنتجوا . والشباب كل همه السيجارة والمخدرات . والبنات متبرجات . والحكومات عاوزاها بلا دين . والمسلمين مستضعفين .
قلت له بس خلاص . يخرب بيت ابوك ركبتني الهم ... وقلت له اسمحلي يا ابو الأباليس انت اني اكتب عن حوارنا ده ؟
_ قال لي طبعا بس بشرطين .. قلت له ايه هما ؟
قال لي الشرط الأول أنك تكتب بالعامية .
قلت له والشرط التاني ؟
قال لي انك تعرفني جثة خاشقجي راحت فين
...............................
* ستمورنينج : لفظة استحدثها الشباب المصري بمعنى ( اصطباحة )، وهي محاولة للدمج بين اللغة العربية والإنجليزية ، وغالبا ما يستخدمها المدخنين .
* الأشخاص ( محمود _ أحمد _ مطر ) شخصيات حقيقية وهم زملاء العمل وشركاء السكن .
* مرتضى منصور : مستشار بالقضاء المصري ، ورئيس نادي الزمالك الرياضي ، ومشهور بال
