قصة قصيرة:

جفون السمك



أحمد أبو دياب | مصر


شبك حجر في جناحه فعوّقه عن الطيران، علق فيه وهو يسير للبحث عن طعامه، اضطر الطائر الحزين للمشي على الأرض والتنقل على رجليه، امتعض في البداية لكنه سرعان ما نفض عنه حيرته كما ينفض جناحيه عند البلل، اعتقد أنها ستكون فرصة جيدة لإراحة الجناحين باعتبار أنه في فترة نقاهة من الطيران، حاول التخلص من الحجر لكن بلا جدوى، أكمل مشيه به، عند شجرة توقف ونظر لأعلى متمنيًا أن يصعد ويستريح، ثقله حال بينه وبين اعتلاء الشجرة، ماذا لو كان كل ما يحدث له بسبب ذنب تلك السمكة؟!
مضى وقت على ذلك، لكنه لم ينس نظرتها عليه وهو يختطفها من المياه ويلقمها بمنقاره جيدًا ثم يطير بها بعيدًا، حتى خُيِّل له أنها أغمضت عينيها وكأن اللحظة قد أنبتت لها جفون، في الأغلب هي ماتت بعدما أبعدها عن المستنقع بلحظات، حتى قبل أن يشرع في التهامها، ما شغل باله أن هل تدين له السمكة أنه انتشلها من المستنقع وخلّصها، أم تدينه لأنه أخرجها عن غير رغبتها؟
استقر تحت الشجرة، وهو لا يزال يحاول الخلاص من الفكرة لكنّها بقيت تطنّ في رأسه ومن حوله، ظل يراقب الحشرات تجري على الأرض، بعضها تصعد الشجرة تسلّقًا من دون طيران ولا أجنحة، عزّ عليه أن يكون الآن أضعف حيلة من حشرة.
لفترة استراح ثم قام على رجليه وتهادى نحو المستنقع ثانية، قضى أيامه كلها جوار المستنقع، يمكث فيصطاد ويقتات منه، يبتهج من مياهه ومداعبتها له وهو يسحب منها ما يلتقمه بمنقاره، يجف المستنقع ويظل ما يربطه به رطبًا فيتبقى ليحرس المستنقع، لئلا يسطو عليه التراب فيردمه.
لعن حزنه وحياته كلها وسب في سرّه من سمّاه هكذا فألصق به هذه الصفة السخيفة ولو أن الأمر لم يكن هكذا.
أهو ضَجِر ومحزون بسبب سمكة؟ ربما لم يتعد كونه عملية صيد والتقاط سمكة من البحر لا ترقى لكل هذا الجَدَل والجَلْد، لن يتوقف عن الطعام كما أن ما يفعله لا يزيد عن تصرفات طائر مثله!
لكن السؤال الذي لا يعرف إجابته، أهو دائمًا حزين بلا سبب؟ لابد وأن هناك شيئًا يبعث الحزن بنفسه، لن يغادر المستنقع قبل أن يعرف لِم هو حزين؟!
قرر ألا يصطاد ثانية، ثم بعدها عزم على أن يمنع جفاف المستنقع بأية حال، ليحول بين الموت والسمك، لا يريد أن تنفق سمكة واحدة لو جفّ المستنقع، نزل إلى المياه وحرّك ريشه فابتل، تزحزح الحجر العالق في جناحه شيئًا إلى أن خرج من بين ثنياته فتحرر، ابتهج على ندرة فرحه، الآن سيبدأ التفكير كيف سينقذ بقية السمك اعتذارًا للسمكة التي لم ولن ينساها، فكر في حفر بئر ونقل المياه منه إلى المستنقع عندما يبدأ منسوبه في الانخفاض، وجد الأمر غير مجدٍ بالإضافة لكونه مستحيًلا أن يحفر بئرًا بمفرده، خطر على باله خاطر آخر بعد تفكير؛ عندما يقترب المستنقع على الجفاف وتنكشف المياه من فوق الأسماك، ماذا لو أنه قام بنقل الأسماك طيرانًا بسرعة من هذا المستنقع إلى آخر لا يكون جافًا في وقتها، هل سيستطيع إنقاذ كل الأسماك من دون أن تموت واحدة، الكارثة لو أن الأسماك لن تصدق وقتها طيب نيّته، وستظن كل سمكة أثناء محاولته لرفعها من الجفاف إلى مياه جديدة أنه سيصطادها ليأكلها، فتنظر إليه كل أسماك المستنقع نظرة السمكة الأولى التي لا يعرف الخلاص منها.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك