الأحياء منهم هياكل عظمية تعاني من هزال العضلات

أطفال اليمن في "مقبرة الحرب".. والعالم يهيل التراب

 

الرؤية - أحمد عمر

حربٌ وحشية تلك التي تدفع بلدًا بأكماله إلى شفا هاوية سحيقة من الجوع والفقر والمرض والخراب، أطفال يتحول مهدهم إلى كفنٍ، يقضون مرحلة الطفولة في بطون المقابر لا بين أحضان ذويهم، صرخات الألم تعتصر قلوب صغار رُضَّع أصابتهم أمراض مميتة؛ لا يستطيعون الفكاك من الكوليرا، فيجدون الحصبة تنهش في أجسادهم الضئيلة، ولا يلبثون أن تخنقهم الدفتيريا، فتقضي على أنفاسهم بلا رحمة، بل بقسوة تقتلع أرواحهم فتصعد إلى بارئها، تلعن كل من تسبب في هذه الحرب العدمية على أرض اليمن أينما ثقفوا.

ليس أطفال اليمن وحدهم الذين يئنون تحت وطأة القصف الذين يأتيهم من حيث لا يعلمون، ليسوا بمفردهم أولئك الذين يفزعون في بيوتهم على أصوات أزيز الطائرات التي ترسل قذائفها مصحوبة بالأكفان؛ فالشباب وكبار السن والنساء وجميع فئات المجتمع اليمني، يُعانون الأمرَّين من هذه الحرب، ولا غرابة أن جميع الأطراف مُلطخة أيديهم بدماء الأبرياء؛ فالتحالف -بقيادة السعودية- وجماعة أنصار الله وقوات الحكومة المعترف بها دوليا، وكل من تورط في هذه الحرب العبثية يتحمل مسؤولية الأرواح التي تُزهق، والبيوت التي تُهدم على رؤوس قاطنيها، وهم أيضا من يتحملون مسؤولية إنهاء هذه الحرب ووقف شلال الدماء هناك.

نواقيس الخطر دقتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة عشرات المرات لتصرخ بأن الآلاف يموتون ويُقتلون بلا جريرة، ولكن هيهات هيهات.. والجميع يسأل: بأي ذنب قتلت؟!

الأمم المتحدة تُؤكد أن أطفال اليمن يموتون من الجوع والمرض، في ظل منع الأطراف المتناحرة مرورَ الشاحنات المحملة بالإمدادات المنقذة للحياة في ميناء الحديدة، فيصف جيرت كابيلير المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، حجم المشاهد "المفجعة" لأطفال هزيلة في مستشفيات مدينة الحديدة الساحلية والعاصمة صنعاء -الخاضعتين لسيطرة جماعة أنصار الله. ويقول كابيلير -الذي يتواجد في الحديدة- "لدينا اليوم في اليمن أدلة على أن طفلا دون سن الخامسة يموت كل 10 دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، وسوء التغذية الحاد". وتقول الأمم المتحدة إن نصف سكان اليمن -البالغ عددهم نحو 14 مليون نسمة- ربما يُصبحون قريبا على شفا المجاعة في كارثة من صُنع الإنسان.

كابيلير يضيف أن 1.8 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية، وأن منهم ما يربو على 400 ألف يعانون من سوء التغذية الحاد، وهي حالة تهدد الحياة وتتركهم هياكل عظمية تعاني من هزال العضلات. ويتابع: "لكن هناك المزيد. يموت كثير من الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بالتطعيمات. اليوم، لا يتم تطعيم أكثر من 40 في المئة من الأطفال في كل أنحاء اليمن".

وقد بات بالفعل في ظل هذه الحرب المستعرة أن يموت طفل من الحصبة أو الكوليرا أو الدفتيريا، لا سيما الأطفال دون سن الخامسة، علاوة على أن هذه الأمراض تتفاقم مع سوء التغذية. ويمضي المسؤول الأممي يقول: "بسبب هذه الحرب الوحشية وبسبب وضع العقبات والعراقيل؛ للأسف لا يمكن القيام بأكثر من ذلك بكثير". ويزيد: "قد لا نكون حتى الآن عند مستوى المجاعة، لكن يجب ألا ننتظر حتى نعلن عن مجاعة للتقدم وللضغط على أطراف الصراع لوقف هذه الحرب عديمة المعنى".

جُهود إحلال السلام لا تتوقف، لكنها لا تجد صدى من أي من الأطراف المتورطة في الحرب؛ فمبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن جريفيث يسعى لإجراء محادثات سلام خلال نوفمبر الجاري؛ بهدف وقف إطلاق النار في هذه الحرب التي انطلقت قبل ثلاث سنوات.

ولعلَّ المشهد الأكثر صدمة أن سبع شاحنات تحمل معدات طبية وأدوية منقذة للحياة، تقف عالقة في ميناء الحديدة منذ أسبوعين بانتظار التصريح بعد تفريغها، وتتساءل منظمات الإغاثة عن طبيعة التصريحات التي تتطلبها شحنات أدوية ومعدات طبية لعلاج أناس تفصلهم خطوات عن الموت.

وفي الأثناء من دائرة الحرب الشرسة، دَعَا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لإنهاء الحرب في اليمن، وحدد خطوات يتعيَّن على أطراف الصراع اتخاذها لتحقيق تقدم، ومحذرا في الوقت نفسه من أن استمرار القتال سيُؤدي لأسوأ مجاعة في البلاد منذ عقد. ورغم هذه المآسي، يبدي أعلى مسؤول أممي بعضا من التفاؤل بما يجري من تطورات سياسية مؤخرا، ويأمل أن يجد فيها إشارات على وجود أمل في التوصل لتسوية وحث الأطراف المتحاربة على وقف العنف، خاصة حول المدن والمرافق الحيوية.

الأيام المقبلة وحدها كفيلة بإيضاح مدى جدية الأطراف المنخرطة في الحرب؛ لإيجاد تسوية وحل وإنقاذ أوراح الآلاف من اليمنيين، الذين إنْ لم يموتوا بنيران المدافع والصواريخ، فسيلقون حتفهم بأمراض فتاكة لا تُبقي ولا تذَر.

تعليق عبر الفيس بوك