ترامب ينفذ "عقيدة أوباما" في السياسة الخارجية.. سرا وعلانية

أمريكا تغلق "ملفات العرب" بأي ثمن.. لتتفرغ لـ"التنين"

 

 

< أوباما 2016: مستقبلنا مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. لا منطقة تصدِّر النفط والإرهاب معا

< ترامب يطالب الرياض بـ"الدفع مقابل الحماية".. وسبقه أوباما بتعبير: "الراكبين مجانا"

< مُفاوضات مكثفة متعددة الأطراف لحسم ملفات اليمن وسوريا وإيران وقطر.. ولو بـ"سلام بارد"

 

 

لن ينقضي العام الجاري قبل إغلاق أو تجميد عدد من ملفات الصراع في المنطقة برعاية أمريكية؛ وهو ما تشي به سلسلة من مباحثات جارية ومفاوضات مكثفة متعددة الأطراف؛ لم يحِن بعد مَوْعد الكشف عن مساراتها ونتائجها؛ وإن كان ما يجمع بينها هدفٌ أمريكيٌّ عام؛ يتمثل في تقليل التورط في صراعات الشرق الأوسط تدريجيًّا؛ وعلى رأسها: ملفا الصراع العربي-الإسرائيلي والعربي-الإيراني؛ للتفرغ لمواجهة "التنين الصيني" اقتصاديًّا وسياسيًّا؛ باعتباره مصدرَ الخطر الحقيقي على مستقبل الهيمنة الأمريكية؛ ليس على المنطقة فحسب؛ وإنما على العالم أجمع.

الرؤية - هيثم الغيتاوي

 

 

ليست هذه توجُّهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقط؛ وإنما خطوة مرحلية ضمن إستراتيجية أمريكية مَهَّد لها الرئيس السابق باراك أوباما؛ وأعلن عنها في عامه الأخير على كرسي الحكم؛ فيما عُرف وقتها بـ"عقيدة أوباما"؛ العنوان الذي اختاره جيفري جولدبرج في مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية في مارس 2016 لتصدير سلسلة حوارات مع أوباما حول الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه دول الشرق على وجه الخصوص؛ كان أبرزها قوله: إن "الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي؛ إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معا، والتوصل إلى سبيل لتحقيق "سلام بارد"؛ لأن الصراع السعودي-الإيراني أسهم في نشوب حروب بالوكالة، ونشر الفوضى في سوريا والعراق واليمن"، وتأكيده على أن أمريكا لن تنجر لمثل هذه الحروب التي يفتعلها حلفاء أمريكا أنفسهم؛ ووصفهم بـ"الدول الجانحة، التي تحاول جرنا إلى حروب طائفية طاحنة لا مصلحة لنا فيها... لن نتدخل عسكريا في منطقة لم تعد تصدر النفط فقط، وإنما الإرهاب أيضا، وبدلا من ذلك سنركز على آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث المستقبل".

هل هناك أوضح من ذلك في وصف ما يجري على الساحة حاليا؟ على الرغم من أوباما صرَّح بذلك وأكثر في مارس 2016؛ أي قبل عامين ونصف العام تقريبا! وهل تصلح العبارة التي اختتم بها الصحفي جيفري جولدبرج هذه الحوارات بقوله: إن "أوباما، الحكيم، أدرك الهاوية التي يسقط فيها الشرق الأوسط، فقرر الهرب ببلاده من المستنقع"؛ لإعادة استخدامها على لسان المتحكِّمين في البيت الأبيض الآن؟

عبَّر أوباما عن غضبه من العقيدة السياسية الخارجية التي تُجبره على معاملة السعودية كدولة حليفة للولايات المتحدة؛ منتقدا مَن وصفهم بـ"الراكبين مجانا"، الذين يريدون أن يحملوا معطف الولايات المتحدة، في الوقت الذي تقوم فيه هي بحل مشاكلهم.. فهل يختلف ذلك كثيرا عن صراحة ترامب مؤخرا في مطالبته السعودية بأن "تدفع مقابل حمايتها"؟!

يمتدُّ النص الحرفي لسلسلة حوارات "ذي أتلانتك" عبر أكثر من 36 صفحة؛ ويبدو أن أحدا من صناع القرار في المنطقة لم يمنحه ما يستحقه من الفحص والدرس قبل عامين ونصف العام؛ ظنًّا منهم أن هذه التوجهات ستختفي برحيل أوباما عن البيت الأبيض؛ لكن ترامب فاجأهم بالسير على الخطى ذاتها، وإنْ وضع بصمته الشعبوية الصادمة أحيانا. لم يُوقع أوباما مبادئه في السياسة الخارجية في وثيقة إدارية كما فعل أسلافه في البيت الأبيض؛ لتستفيد منها الإدارات التالية كما هو معتاد؛ لكنه على الأقل صرَّح بها علانية؛ فجاء ترامب مُلتزما بها سرًّا وعلانية؛ وإن بدا عكس ذلك مرحليًّا!

صَحِيح أن ترامب منذ وُصله للبيت الأبيض؛ وهو يُقدِم على اتخاذ قرارات داخلية رآها البعض معاكسة تماما لما سبق واتخذه أوباما؛ لكن الأمر يختلف نسبيا عند النظر إلى الخطوط العامة لتوجهات الإدارة الأمريكية في السياسة الخارجية؛ باعتبارها خططا طويلة الأمد؛ أكثر تعقيدا من أن تتغير بتغير الجالس على كرسي البيت الأبيض؛ فها هو ترامب الذي أطاح بالاتفاق النووي الإيراني الذي أنجزه أوباما؛ يعود مجددا للمساومة في مفاوضات سرية عبر وسطاء و"مُيسرين" للوصول إلى حلول وسط يضمن بها عدم التصعيد بأكثر من فرض العقوبات الاقتصادية على طهران؛ تجنبا للتورط في مواجهات بالمنطقة قائمة على صراعات طائفية بالأساس؛ بدليل أنه على الرغم من نبرته العالية في تهديد إيران بمستقبل اقتصادي مظلم في ظل العقوبات التي يبدأ تطبيقها غدًا الاثنين؛ بادر إلى الإعلان عن استثناءات لعدة دول تستورد النفط الإيراني؛ وهي مبادرة قد تكشف بعضا مما يدور في كواليس المفاوضات الجارية حاليا عبر "المُيسرين"؛ لا الوسطاء مثلا.

وإن كانت "المرونة" بادية في استثناءات ترامب؛ فهل نتوقع في المقابل "مرونة" إيرانية في تنفيذ بعض من مطالب ترامب الـ12، التي اشترطها لوقف العقوبات الأمريكية قريبا؛ وعلى رأسها وقف التدخل الإيراني عسكريا في سوريا؛ وربما غلق ملف الحروب بالوكالة الجاري على أراضي سوريا منذ سنوات؟

وفي ملف اليمن؛ وبعد سنوات من صراع عسكري بلا جدوى؛ يستخدم وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان نبرة حاسمة الآن للمطالبة بوقف جميع الأعمال القتالية في اليمن، وبدء محادثات سلام خلال شهر على الأكثر. وعلى الفور؛ أبدى السعوديون والإماراتيون استعدادهم لدعم جهود الأمم المتحدة والمبعوث الخاص لليمن.

وعلى الصعيد الخليجي؛ بثَّت وكالة الأنباء الفرنسية، وبالتزامن تصريحات راين كليها القائم بالأعمال الأمريكى، قال فيها: إن واشنطن تكثّف جهودها لضمان إنهاء الأزمة فى الخليج خلال قمة خليجية-أمريكية تعقد قبل نهاية العام الجاري: "نريد قمة يحضرها جميع قادة دول الخليج قريبا؛ هناك عمل مكثف مع كل بلد مشارك لإيجاد زخم يحقق نجاحا كبيرا للقمة عندما يدعو ترامب كل زعماء الدول للحضور". وبالتزامن أيضا؛ قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة لا تريد رؤية "شقاق دائم" بين دول الخليج، وإن أشار إلى "أن كثيرا من تصرفات قطر مُقلقة تماما ليس لجيرانها في الخليج فحسب؛ وإنما للولايات المتحدة أيضا"؛ فهل ننتظر غلق ملف الأزمة "الخليجية/القطرية" قبل نهاية 2018 أيضًا؟

ولِمَ لا، وربط خيوط التصريحات والمفاوضات الجارية "هنا وهناك" يقودنا إلى ملاحظة دلالة ما صرَّح به قائد القيادة المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل، قبل أيام؛ ودعوته دول الخليج لوضع خلافاتها جانبا، و"الوقوف صفا في مواجهة التهديدات الإيرانية المزعزعة للاستقرار... يجب ألا نعمل على أي قرار أو طريق مخالف لحلفائنا؛ لأن ذلك فيه مصلحة تحدّينا للأعداء... علينا إيجاد حلول جذرية للمشاكل؛ لأن التغيرات في الولايات المتحدة والعالم تتطلب منا تقاربا أكبر". لم يقل فوتيل ذلك على سبيل الاستهلاك الإعلامي المعتاد؛ وإنما خلال اجتماع رؤساء أركان دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر والأردن، والقيادة المركزية الأمريكية؛ لبحث سبل تعزيز التعاون العسكري والدفاع المشترك. وقد شاركت قطر إلى جانب السعودية والإمارات في الاجتماع ذاته؛ وذلك بعد أيام من دعوتها "دول المقاطعة" للجلوس على طاولة التفاوض لإنهاء الخلافات.

تعليق عبر الفيس بوك