وماذا بعد التخرج؟!

 

د. سمير محمود

احتفت جامعة السلطان قابوس بتخريج الدفعة 29 من طلابها حملة درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتحتفي بعد أيام بأقرانهم من حملة الدرجات نفسها في التخصصات العلمية والطبية وهم أكثر من ثلاثة آلاف خريج وخريجة، من حقنا أن نحتفي بهم ونبارك لهم وللوطن ما حققوه من نجاح باهر ومراتب عليا ودرجات رفيعة.

والحقيقة أن هناك دائمًا جملة من الأسئلة العالقة التي تسابق وتلاحق حفل التخرج في هذا الوقت من كل عام، أسئلة يرددها الخريجون أنفسهم، وأسئلة مشروعة أخرى يرددها أولياء الأمور، وأسئلة تصدر من المجتمع الجامعي نفسه الذي يرفد المجتمع سنويا بهذه الأعداد من الخريجين، بخلاف الأسئلة الأهم التي يرددها بقوة سوق العمل وأصحاب الأعمال في مجتمع ينمو بمعدلات معقولة وملموسة.

يتساءل الخريجون وسؤالهم مشروع: وماذا بعد؟ أين نذهب وأين نعمل؟ وهل هناك فرص حقيقية للعمل توازي وتعوض سنين التعب التي أمضيناها في البحث والدراسة؟ هل هناك مجال مناسب بعوائد مجزية توفره وزارة الخدمة المدنية؟ هل العمل الخاص يوفر لنا الأمان الوظيفي المطلوب بقدر ما يوفر الأمان المادي؟

إجابات هذه الأسئلة التي تثور كبركان في مُجتمع عفي يمثل الشباب فيه أكثر من 55.9% من سكانه، ما يستوجب وجود سياسات وطنية تستوعب هذه الطاقات وهذا الرقم الصعب في معادلة التنمية وصناعة المستقبل وتنويع الاقتصاد وغيرها من أهداف ومخططات رؤية السلطنة 2040.

الأرقام المعلنة عن نسبة الباحثين عن عمل تشير إلى (43.8) ألف في السلطنة عام 2016، وأن (%77) من الباحثين عن عمل في سن الشباب دون سن 30 عاماً، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 82% بين الذكور مقابل 74% بين الإناث، وتصدمك الأرقام التي تجعل من الأسئلة الحائرة للخريجين ناقوس خطر يدق باستمرار ليصم صداه آذان المسؤولين عن التخطيط، إذا ما علمنا أنَّ النسبة الغالبة للباحثين عن العمل تتركز في الحاصلين على مؤهلات عليا.

الإحصائيات الأخيرة للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2018 تشير إلى استمرار الزيادة في أعداد الباحثين عن عمل، فقد بلغ معدل الباحثين عن عمل للفئة العمرية (أقل من 30 سنة) في شهر مارس للجنسين (10.2) في حين بلغ معدل الفئتين نفسهما في شهر يونيو (11.8)، وهذا يجعلنا نتساءل مع آلاف الخريجين، عن الغد، عن دورنا في خدمة الوطن، وعن دور الوطن في استيعاب طاقاتنا وقدراتنا ومهاراتنا وسنوات التكوين والإعداد العلمي الطويلة.

وتتلاقى أسئلة الآباء والأمهات مع أبنائهم الخريجين، عند كل حوار يحتدم في المنزل ويتحول إلى صدام، نتيجة ملل الأبناء من الجلوس بلا عمل، وحزن الآباء والأمهات على تلك السنوات وتلك الأموال التي أنفقت حتى لحظة التخرج، التي سرعان ما تبدلت إلى حالة من الإحباط والعزلة والانزواء خلف الأجهزة اللوحية وشاشات الجوالات بحثاً عن فرصة أو هربًا من واقع مؤلم.

سوق العمل تطرح بذاتها على الجامعة عشرات الأسئلة حول مستوى الخريجين، إعدادهم وتأهليهم، ومهاراتهم، التي قد تصيب أو تخفق في مؤشر التنافسية مقارنة بالوافدين الذين يتركز 90% منهم في العمل الخاص و10% في العمل الحكومي، في ضوء عزوف أكثر الخريجين عن العمل الخاص، أو في ضوء عدم توفر الفرص العادلة والمناسبة.

أسئلة سوق العمل تتعلق بقدرات ومهارات الخريجين وتمكنهم من التقنية والابتكار، والوعي والعمق المعرفي والمهارات التطبيقية النادرة والقدرة على اقتحام مجال ريادة الأعمال، وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحمل المخاطرة والتمكن من دراسة جدوى المشاريع، وتلك تتقاطع مع أسئلة نطرحها على المجتمع الجامعي نفسه عن مستوى الخريج العماني، وما تنفقه الجامعة على برامجها التدريبية في داخل وخارج السلطنة وما تستعين به من كوادر واعدة من مختلف الجنسيات والثقافات والخلفيات العملية ناهيك عن الكوادر الأكاديمية العمانية المتميزة في مختلف مجالات الدراسة، والمؤكد أنَّ جملة الأسئلة المشروعة لأطراف المعادلة، تحتاج إلى أجوبة قاطعة وحاسمة إن أردنا حقًا أن نحول هذا الرقم الصعب من الخريجين الباحثين عن عمل، إلى طاقة عمل وإنتاج تقود عمليات التحول الوطني الصناعي الاقتصادي في عمان إلى تحقيق التنمية المستدامة لهذا الجيل والأجيال المقبلة، فهل نحن فاعلون؟!

د. سمير محمود

كاتب صحفي مصري

 

 

dr.samirmmahmoud@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك