الفشل ليس قدرًا

 

عبدالرزاق بن علي

يجمع أغلب أصحاب الرأي في وطننا العربي أنّ كل الظروف تقف حجر عثرة أمام المبدعين في جميع المجالات. ولأسباب مركبة كثيرة منها ما يتصل بالثقافة السائدة. ومنها ما له علاقة بالإجراءات الإدارية المترهلة، أو التشريعات المنظمة للعلاقات بين الباحثين، والمبدعين، والجهات الرسمية الراعية لأعمالهم، نجد أن الغالبية الساحقة من الموهوبين والمبدعين والباحثين والعاملين في مختلف القطاعات لا يجدون الدعم والتحفيز الكافي لإنهاء مشروعاتهم الطموحة. ونادرا ما يحققون أهدافهم المطلوبة، وإن نجحوا في بلوغها سرعان ما يصطدمون بنشرها وإفادة مجتمعاتهم منها. ولعلّ صرخة الدكتور المصري أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل لا تزال تتردد في الوديان السحيقة والشعاب في مختلف أنحاء وطننا العربي حين قال "إنّ الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء ولكنهم هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الفاشل حتى ينجح".

كم من فنان مبدع وباحث مخترع ومهندس خلاق وطبيب ناجح وطالب موهوب وإعلامي ومؤلف وشاعر وجد الإمكانيات والظروف المناسبة للتميز والإبداع والابتكار في بلداننا العربية مجتمعة أمام ما يشهده العالم الإنساني من طفرة في الاختراع والنجاح في مختلف الاختصاصات الفنية والأدبية والعلمية؟ وما الذي أضافه العرب منذ قرون للحضارة الإنسانية؟ ولماذا نعجز عن خلق مبدعين وناجحين ومبتكرين منذ قرون؟

أنظمتنا التعليمية تعتمد في أغلبها على التلقين وتحد من التفكير التلازمي الإبداعي. وأنظمتنا الإدارية تحكمها التراتبية والروتينية المملة. وأنظمتنا الاقتصادية تعتمد على الثروات الطبيعية التي نستنزفها بالتصدير لتوريد السلع الاستهلاكية الكمالية. كما نقصر في الاستثمار في رأس المال البشري وتطوير العقول ولا نعمل من أجل يجاد بيئة محفزة للابتكار في جامعاتنا حتى أصبحت أغلب صفوف الخريجين مثل القوالب التي لا هوية لها ولا قدرة لها على التميز والإبداع. ويجمع أغلب المطلعين أنّ الكفايات التي يكتسبها الطالب في أنظمتنا التعليمية لا تؤهله أحيانا أن يكتب طلبا إداريا بسيطا فضلا عن التفكير لتغيير واقعه نحو الأفضل.

علينا خلق الظروف، وتوظيف إمكانياتنا المتاحة في كل مكان، وتطويع التشريعات، وإصلاح الإدارة، ومراجعة المناهج، وتطوير برامج اكتشاف المبدعين والموهوبين، والإحاطة بهم، وتأطيرهم، وتمهيد كل الطرق المؤدية للنجاح والإبداع، بتوفير بيئة تعليمية وإدارية واجتماعية وثقافية محفزة ودافعة، ومشجعة لكل طاقات الخلق الكامنة في نفوسهم.

لا مناص من الأخذ بالأسباب لتبديد ركام فشلنا الطويل. وزرع الأمل في النفوس اليائسة التي سئمت الانكفاء والتقوقع والتعايش مع الإحباط. وليس أمامنا غير طريق العمل بأقصى طاقتنا وجميع إمكانياتنا لتحقيق آمال شبابنا وشاباتنا الذين لا يعوزهم الذكاء والقدرة على بلوغ منصات التفوق في أشهر المنابر الأكاديمية والعلمية. فمن أتيحت له الفرصة منهم يزاحم على المراتب الأولى في أشهر الجامعات العالمية الكبرى. ويفرض الاحترام والتقدير فيها. وفي سجلات أكبر الشركات ومراكز البحوث أسماء عربية استطاعت أن تجد لنفسها مكانا وسط صفوف المبدعين في العالم، حين هاجرت وطننا.. وعلينا أن نعيدهم إلى وطننا الكبير وإلى أقطارهم ومنحهم المكانة التي تليق بهم وكل الإمكانات التي تتطلبها أعمالهم وتكليفهم بإعداد خطط التطوير وتنفيذها وإعداد أجيال قادمة تؤمن بالتفوق وتعمل من أجله وتوفر له أسباب النجاح.  بإمكاننا أن نصنع المستحيل مثلما صنعته أمم أخرى كانت في زمن قريب تشحذ قوتها واستطاعت بفضل عزبمة أبنائها وبناتها أن تحرز أفضل المراتب في جميع التصنيفات العالمية في شتى المجالات.

نعم يمكن لنا أن نحقق النجاح مجددا لأننا بلغناه في حين كان غيرنا يستفيد منا من أجل اللحاق بنا. ولأن السباق لا يزال مستمرا فإنه يمكننا من جديد أن نكون من الفائزين.

تعليق عبر الفيس بوك