بمَ سيعتذر النافخون في النار؟!

 

غسان الشهابي

واضح من وقع الأيام القليلة الماضية، أنَّ انفراجات بدأت تحدث في يوميات المسألة القطرية، وذلك بلين الخطاب من الجانبين، يُماشيه لين الإجراءات التي اتخذت أثناء المقاطعة التي زادت على العامين، على وقع الكثير من الملابسات التي تبادلت فيها الدول الداخلة في هذا الأمر الاتهامات، حتى تعالت المسألة من مُجرد همهمات، إلى تصريحات، ومن تصريحات إلى اتخاذ فعل المقاطعة، والكثير من المحطات في مسار هذه القضية التي استنزفت الكثير من الجهد والمال والطاقة والنفسية، لاسيما وأن أهالي دول المنطقة يتمتعون بامتدادات في كل بلد فيها تقريباً، فيتوزع الأهل والأقارب في أكثر من دولة وصعب عليهم لاحقاً التواصل المُباشر إلا بعمل جولة طويلة ومكلفة تحت شعار "وين إذنك يا حبشي"!

كل هذا أمر حسن، ومطلوب، وربما تأخّر عن الحدوث أشهراً طوالا، وما كان له أن يتأخر لو كانت النوايا راغبة في الحوار وحلّ المسألة التي أخذت تتكرر في السنوات الماضية بشكل قوي، بعد أن كانت تتردد في العقود الماضية وتشير إلى أنَّ هناك "بقعة" في الثوب الخليجي لا يُريد أيٌّ من الأطراف الاقتراب منها، لتنظيفها نهائياً حتى يعود القماش مُتماسكاً ونظيفاً كما كان.  

وحتى توضع الإصبع على هذه البقعة التي تثير قلق الحكّام من أبناء العمومة والخؤولة، وحتى يتم ترسيم العلاقات من جديد، ننثني إلى الكثرة من "النَّاس" الذين دخلوا هذا الخلاف وما كان لهم أن يلجوا فيه، ولا أن يحشروا أنوفهم في خلافات سياسية بالدرجة الأولى، وعلى مستويات ليست بالشعبية، فأخذ الشعراء، والمغنون، والممثلون، والناعقون، والزاعقون، ومدّعو التحليل السياسي، والتفكيك المنطقي، يُزايدون ويُسابقون الساسة في إضرام نار الخلاف، وتأجيج الخلافات، بل والأدنى من ذلك، تلك التسجيلات الصوتية التي راجت عن طريق تطبيق "واتس آب" التي لاكتها الآذان، والتي استخدمت أقذع أنواع الشتائم وأحطّها، وأخذ المتقاذفون يخصصون الأفراد في البداية، ثم يعممون السوء على الشعوب، في غياب للوعي المستمتع بالخدر الذي يسود قطاعات من النَّاس، مع تقزيم وكفّ أي محاولات لهزّ الوعي الجمعي لينبذ هذا السُباب والألفاظ البذيئة التي لا تليق أبداً بأن تطلق على العدو، فكيف لها أن تروج بين الأهل؟!

غداً، إن شاء الله، تصفو الأجواء، وتعود المياه إلى مجاريها، ولكن هل ستكون صافية قابلة للشرب؟ هل يعي المتلاعبون بالآبار المُشتركة فيما بين أبناء دول مجلس التعاون عمّا سمموه، وكم من الوقت ستحتاج لتتخلص من هذه السموم؟ ماذا سيقول محللو الأمس عن صلح الغد؟ كيف سيمسح الشعراء ما ثبّتته وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف سيعتذر مضرمو الأحقاد أمام الله والنَّاس؟ إنها الخديعة ذاتها التي تبيعون فيها آخرتكم وثوابتكم من أجل مصالح غيركم في حين لم تنالوا منها شيئاً... فهنيئاً لكم الفُتات.

 

تعليق عبر الفيس بوك