جماليات معالي الوزير.. يوم عمل مميز..!

 

د. سعيد الحارثي

 

ألهمتني فلسفة "غاستون باشلار" في كتابه "جماليات المكان". إنّه وببساطة يقدم دلالات روحية لشاعرية الأماكن التي نرتادها في حياتنا. وقد ورد فيه أنّ الحالمون، وأنا منهم، يُحبّون الشتاء القارس، وأنهم في كل عام يتضرعون إلى السماء أن ترسل أقصى ما تستطيع من الثلج والبرد، لأنه بهذا تُصبح أعشاشهم أكثر دفئًا ونعومة.  ويقول في مقابلة تلفزيونية مسجلة: "إن أردت أن تفكر بدون أفكار إبداعية فبإمكانك التفكير بدون الفلسفة". وبعيداً عن باشلار، فإننا جميعاً، سواء بالفكر الفلسفي أو بغيره، نؤمن بأن الأفكار الإبداعية هي سفينة العصر التي علينا أن نصعد عليها إن رغبنا في مسايرة تلك المجموعة التي تقع في مقدمة الركب.

يحق لنا كمواطنين أن نحلم أيضاً بشتاء بارد يصنعه لنا أصحاب المعالي الوزراء!، ولست هنا للحديث عن الخوارق والمعجزات، وإنما عن سيناريو يوم عملٍ مميز، قد يكون مرة في الشهر، ولكنه كفيل بأن يجعل الخارج بارداً، لنهنأ نحن بدفء منازلنا، وبعبق رماد ثوراتنا التي تولد وتموت في ذواتنا الداخلية. وببساطة يا معالي الوزير، سأحلم معك ببعض الجماليات التي يمكنها أن تغرس الورد في المسافة التي تفصلني عنك. وسأسمح لخيالي أن يرسم الصورة الجميلة التي أرغب لك أن تكون عليها، وسأخول نفسي بسرد بعض من جمالياتك في محيطنا الذي نعيشه، تلك الجماليات التي لطالما آمنتُ بها كإيماني بحميمية وجودك بيننا، وبتفتقات ذهنك.

السابعة صباحاً:

ابدأ رحلتك إلى مقر عملك. سيساعدك ذلك في الاختلاط بأكبر شريحة من موظفي الدولة في الطرقات المزدحمة بطبيعة الحال، وستجد في طريقك الكثير من الجماليات التي ستجعل يومك أكثر حماساً. قد يساعدك ذلك في إظهار الحب والشعور بجمال الوطن وستعرف كيف يمارس الموظفون من حولك جمالية الانتماء ويحققون أبجديات المواطنة. في تلك اللحظات قد تشعر ببعض الالتزام تجاه ذلك، وقد ترفع سماعة هاتفك للبحث عن مخرج لحركة السير الخانقة، أو لطرح بعض الأفكار السريعة مع نظرائك من أصحاب المعالي بالمؤسسات الأخرى. هي قضايا عامة لا شك بأنك ستجتهد عليها، وإن قُدِّر لك أن تكون من سكان مدن ولاية السيب، فسأنصحك بأن تقود سيارتك بنفسك عبر دوّار الموج ومنه إلى شارع 18 نوفمبر!

التاسعة صباحاً:

سيستبشر بوجوك بينهم موظفو دائرة خدمة المراجعين في وزارتك، ولا شك أنّ المراجعين هم أيضاً سيجدون بأنّ يومهم كان جميلاً حين شاركهم معالي الوزير بعضاً من وقته. هي من الجماليات التي لن تحسد عليها ما دمت حياً. ستجد أن هناك معضلات تنتظر منك حلاً منذ فترة، وستجد أن وروداً تفوح رائحتها من حديث أولئك الذين سيثنون على وجودك في القاعة، ستجد أنك مركز سعادة لمن حولك، وسيساعدك ذلك على تناول فنجان قهوتك الصباحي بمزاج أكثر فاعلية.

العاشرة صباحاً:

غالباً ما تحفل هذه الساعة بوشوشة وحوارات يكسر بها الموظفون رتابة يومهم، ربما في مكاتبهم أو في مقهى الموظفين بالوزارة، أحاديث لا تتجاوز موضوعاتها شؤون وزارتك. خلف تلك الأبواب تذمر وامتعاض من أسلوب وسلوكيات بعض مديري الإدارات، وفي بعض الأحيان من تبجّح بعض موظفي مكتبك، الذين يتمتعون بشيء من السطوة والنفوذ لمجرد أنهم يعملون تحت إمرة رئيس مكتبك. إن جمالية سيطرتك وهيبتك ستزداد ألقاً إذا استخدمت دهاءك في الجلوس مع عينة من الموظفين المجهولين بين الفترة والأخرى، بغرض الوقوف على مواطن القوة وعوامل الضعف، وإشاعة الأمان الوظيفي في كافة تقسيمات وزراتك. ستجد أنّ ميزان العدل يقيم أركان العمل ويضفي روح المنافسة، وينقي الأجواء من الشوائب. وستشعر بأن عطرك لا يزال فواحاً.

الثانية عشر ظهراً:

من المناسب أن تقضي النصف الأول من هذه الساعة مع موظفي دائرة التنسيق التابعة لمكتبك، استدعي كشفاً بالتقارير والموضوعات التي ترد إلى هذه الدائرة، ستجد أنّ 70 % منها لا يتم تمريرها عليك؛ فهي إما تؤول للحفظ أو للإتلاف. ستأتيك التبريرات في هيئة أعذار أقبح من ذنوب، وقد تسمع لأول مرة بأنك أنت من وجّه بأن يمرر عليك الأهّم فقط، ولكن سرعان ما تكتشف أنّ المهم والأهم لدى مدير تلك الدائرة يقوم على مقاييس أخرى غير مقاييسك، يَعرض عليك فقط ما يرغب هو أن يطلعك عليه !!، لا ما يجب أن تطّلع عليه أنت. ستجد أنّ مصالح يشيب منها الرأس معطّلة في مكتبك، وبفعل فاعل. وستظهر جماليتك بقدر إنزعاجك من تلك الممارسة ممن منحتهم الثقة. أما إذا لم يحرك ذلك فيك ساكناً، فثق بأنك مشارك في غرس ثقافة التسيب والإهمال لدى الجميع في وزارتك، وبأنك ممن يغرسون خناجرهم في خاصرة الوطن.

الثانية بعد الظهر:

أطلب وبشكل مفاجئ عددا من مديري الدوائر ورؤساء الأقسام، ستجدهم أكثر التزاماً بالتواجد، وذلك على خلفية معرفتهم بأنك تدير أياماً مميزةً بين الفترة والأخرى. ولن يمانع أحد منهم إذا رغبت أن تتناول الشاي مع موظفي دائرته في المرات القادمة.

نهارك جميل، معالي الوزير..

 

تعليق عبر الفيس بوك