كَثُر المؤثرون وغاب التأثير !

 

نجاة الكلبانية

 

هناك الكثيرون اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي ممن يُعرّفون أنفسهم على أنهم مؤثرون (influencers)  ولكن ما نوع التأثير الذي يتحدث عنه هؤلاء؟

حين كتب الله للعرب أن يُخرجَ منهم خيرَ أمة للناس حدث ذلك على يد رجل واحد، محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام. لم يكن ذلك سهلاً يسيراً مع قبائل كانت تعبد الأصنام وتأبى أن تحيد عمّا ألفت عليه آباءها وأجدادها ولكن كان رسول الله الثابت في طريق دعوته المتوكل على ربه فكان أثره الذي نراه اليوم وسيراه العالم إلى قيام الساعة.

وحين كتب الله النصر للمسلمين في معركة مؤتة التي واجه فيها ثلاثة آلاف مسلم مئتي ألف من جنود الروم وحلفائهم من الغساسنة، وهي المعركة التي قُتل فيها القادة الثلاثة الذين اختارهم الرسول صلى الله عليه وسلم، في ظل هذه الظروف الحرجة تقدم رجلٌ فأحال ما كان يبدو هزيمة -لا محالة - لجيش المسلمين إلى نصر. هذا الرجل هو خالد بن الوليد الذي تسلّم زمام قيادة جيش المسلمين فأثر خالد بن الوليد على سير المعركة وقلب موازينها بطريقة لا يفكر بها إلا قائدٌ عسكريٌ محنك.

وحين كتب الله الحريةَ للهندِ من المحتل البريطاني حدث ذلك على يد غاندي الذي اعتمد طريقته السلمية في مواجهته للجنود البريطانيين وفي حشد المقاومة ليتمكن من وضع شروطه على المحتل البريطاني.

وحين تحرك الأمريكيون من أصل أفريقي للحصول على حقوقهم بعد معاناة طويلة من التمييز العنصري تحركوا وراء رجل واحد وهو مارتن لوثر كنج الذي قاد الحركة المدنية فكان له ولداعميه الحصول على حقوقهم المدنية في نهاية المطاف.

طبعاً أنا لم أذكر هذه الأسماء للمقارنة فيما بينها ولكن ذكرتها لأوضح أنّه وعلى مر العصور وعلى اختلاف الأديان والثقافات والصراعات هناك دائماً شخص هو من يطلق الشرارة نحو التغيير.

الشخص "المؤثر" هو شخص ذو قضية يحمل هماً سواء كان ذلك الهم سياسياً أو دينياً أو اجتماعيا أو ثقافياً. لديه غاية يصبو لتحقيقها. رغبته في التأثير مبنية على ما يتوقعه من فائدة عظمى ستعود على جماعته أو مجتمعه ككل إن هو استمر في طريق النضال لأجل تحقيق الهدف المنشود.

واليوم للأسف يأتي عالم التواصل الاجتماعي ليقدم لنا نوعاً ممن يطلقون على أنفسهم "مؤثرين" يكتبونها في مقدمة صفحاتهم وتستوقفك الكلمة فتجعلك تتساءل "مؤثر بماذا؟ ولماذا؟ وما هي القضية؟"

هل يعتبر من يطلقن على أنفسهن "فاشيناستات" أو من يطلقون على أنفسهم "شخصيات عامة" مؤثرين؟ وما هو ذلك الأثر الإيجابي الذي سيجلبونه على من يتابعهم؟

وإن كنت مؤثراً هل أنت بحاجة للتصريح؟ ألا يفترض أن يظهرَ تأثيرك فيكون هو الدال عليك؟

وكيف يتم قياس تأثيرك يا ترى؟ هل عدد متابعينك يعد كافياً؟ أم عدد الإعجابات لكل ما تشاركه مع متابعيك، أم هو عدد التعليقات؟ أم نوعية تلك التعليقات؟

هل خروجك لرعاية حدث ما -أيما كان نوعه- وخروج المعجبين للقائك هو دلالةٌ على تأثيرك؟

المهم -على ما يبدو- هو الحصول على لقب "مؤثر" لا التأثير نفسه أو نوعيته أو حجمه. والمهم كذلك هو مدى قدرة هذا الشخص على استفزاز الناس فكلما زادت درجة الاستفزاز كلما اعتبر هذا الذي يُطلق على نفسه مؤثراً أنه نجح في مهمته.

الكثير من مؤثري اليوم -ولا أقول كلهم- يسعون للحصول على الألقاب لأنّ في الألقابِ تحقيق شهرة وفي تحقيق الشهرة إشباعٌ لغرور النفس البشرية. وفي نظر البعض يعد مجرد الحصول على لقب إنجازٌ يستحق الاحتفاء به.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك