الانتخابات والحاجة إلى نظام بيئي (Ecosystems)

 

عبيدلي العبيدلي

أعلن المُترشحون الراغبون في خوض الانتخابات النيابية البحرينية لدورة 2018 عن أسمائهم، وشرع البعض منهم في الترويج لنفسه من خلال الكشف عن برنامجه الانتخابي، في حين بدأ آخرون جولاتهم الترويجية بزيارة سكان دوائرهم الانتخابية كانطلاقة لضمان أصواتهم. وبدوره سارع الناخبون كي يضعوا شروطهم لإعطاء أصواتهم لهذا المترشح أو ذاك. وعلى نحو مواز بادرت الدولة بنشر بعض الإعلانات، توزعت على بعض الشوارع الرئيسة، التي تدعو المواطن للمشاركة وتبين له أهميتها.

المتابع لسلوك العناصر الثلاثة المسؤولة عن العملية الانتخابية: الدولة، المواطن المنتخب(بكسر الخاء)، والنائب المترشح،  يكتشف، وبسهولة، أن بينهم الثلاثة دون أي استثناء يذكر، أن انخراطهم في العملية الانتخابية، كل في شأنه، لا يتجاوز الأنشطة العملية. ويمكن تفسير ذلك بالوقوف عند كل محطة من محطات تلك العناصر الثلاثة المكونة للعملية الانتخابية:

فعلى مستوى الدولة، حصرت مساهمتها في التحضير لهذه العملية التي تعتبر تحولا نوعيا في سلوك المواطن في علاقته معها، بنشر مجموعة من الإعلانات "التشجيعية" التي تحث المواطن على التصويت والمشاركة. وهي بهذا السلوك تحصر أهدافها في رفع نسبة المشاركة أكثر مها أي شيء آخر.

في حين يقتضي الأمر بالدولة، بالإضافة إلى البدء في المارثون الانتخابي في مرحلة مبكرة ربما تبدأ مع نهاية كل دورة انتخابية سابقة أن تقوم بما يلي:

التوعية النظرية السياسية، بمفهوم البرلمان، ليس بوصف كونه غرفة "مناكفة " بين النواب وممثلي الدولة، بل انطلاقا من مسؤولية النائب التاريخية التي تضعه في منصب المشرع  الذي يصيغ الأطر القانونية التي تنظم حركة أفراد المجتمع، بما في ذلك علاقة المواطن بالدولة. وفي هذا الخصوص ينبغي أن يبتعد المترشح الناجح عن الللهث وراء الخدمات المجتمعية التي هي من مهمات أعضاء المجالس البلدي، كي يلبس ثوب الجهة المشرعة. دون أي انتقاص من مسؤوليات المجالس البلدية.

التوعية النظرية في رسم معالم العلاقة بين الهيئة التشريعية ومؤسسات الدولة المعنية، في إطارها الرقابي والتنموي. فمن غير المنطقي أن يحصر النائب نفسه في استدعاء هذا الوزير أو ذاك لمساءلته عن قضية معينة، في حين تغيب عن ناظربه المهمات التنموية – التطويرية للمجتمع التي تقع على عاتق هذه الوزارة أو تلك. هنا تتحمل الدولة مسؤولية الارتقاء بأداء قنوات هذه العلاقة التكاملية بين المؤسستين: التشريعية والتنفيذية. والنجاح في إنجاز هذه المهمة بحاجة إلى جهد متواصل تقوم به مؤسسات الدولة المختلفة ذات العلاقة، كي تصب جهود النواب في أتون تطور مؤسسات الدولة، ونمو مكونات المجتمع.

 على نحو مواز، وفي الوقت ذاته، لا يقتصر دور المترشح على تكريس جهوده من أجل حصد أعلى نسبة من الأصوات التي تضمن نجاحه فحسب، إذ بات مطلوباً ممن لديه الرغبة في الترشح، كي يتحول من مواطن عادي إلى عضو في البرلمان، أن يقوم بواجباته على أرضية فهم القضايا التالية:

أن القيام بدوره التشريعي لا ينحصر في قدرته الفائقة على استظهار مواد الدستور أو القوانين والأنظمة، رغم أهمية التفوق في أداء مثل هذه المهمة، لكن من الضرورة بمكان تجاوزها كي تشمل دائرتها فضاءات أخرى لا تقل أهمية عنها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الإلمام بنظريات التنمية، ليس التقليدية منها فقط، وإنما أيضا تلك المعاصرة التي تشمل التحولات التي باتت تعصف بتلك المقولات التقليدية القديمة.

فهم قوانين الإبداع والإبتكار التي تنظم علاقات الاتصال والتواصل بين النائب وسكان دائرته الانتخابية من جهة أولا، وتلك التي تنظم علاقاته مع المواطن البحريني من جهة أخرى ثانيا، وثالثا وليس أخير تلك التي تؤطر علاقاته مع أصحاب القرار. ففي عصر ثورة الاتصالات والمعلومات التي هدمت حواجز الزمان، وهدت جدران المكان، بات النائب مطالبا، إن هو أراد أن يمارس صلاحياته، ويقوم بواجباته على الوجه الأفضل، أن يتقن استخدام قنوات الاتصال والتواصل، ليس على النحو البسيط المتواضع المستخدم حاليا، ولكن على أسس سليمة، ومن منطلقات راسخة، تليق بمسؤولياته من جانب، وتلبي احتياجاته من جانب آخر.

التمييز الواضح الجلي بين دوره التشريعي في غرفة البرلمان، وبين دور الخدمات الاجتماعية التي يفترض أن يوفرها عضو المجلس البلدي، دون إعلاء لشأن الأولى، ولا انتقاص من مكانة الثانية. فلكل واحدة منهما مكانته التي تحتل موقعها الذي تستحقه في فضاء مكونات العمل السياسي البحريني.

بالقدر ذاته، والأهمية نفسها ينطبق الأمر على المواطن الذي سيدلي بصوته، وسيكون لكلمته القول الفصل في وصول، أو فشل، المرشح المعني في الوصول إلى قبة البرلمان. ومن ثم فهو الآخر مسؤول عن الانتقال من مجرد إعطاء صوته أو بيعه، إلى تحقيق النجاح المطلوب على مستوى التكوين الفكري الذاتي فيما يتعلق بالعملية الانتخابية، لتحقيق الأهداف التالية:

الفهم النظري الواعي المسؤول المدرك لأهمية، ومن ثم دور صوته كخلية حيوية في جسد العملية الانتخابية برمتها، وليس الإدلاء بالصوت سوى عنصر واحد من عناصرها المختلفة، وهم كثر. تبدأ هذه العملية بلحظة الإدلاء بالصوت، ثم تبدأ مسيرتها خلال الدورة البرلمانية المعنية، ولا تتوقف بعد انتهاء هذه الأخيرة. هذه الدورة المتواصلة والمستمرة، تتطلب استعدادات فكرية من الناخب، كي لا يقع ضحية برنامج انتخابي يخطف بريق ألوانه الأصوات، دون قدرة على الوصول إلى فهم ما تتطلبه عملية النجاح فيما بعد، والتقيد بقيمها.

القدرة الناضجة التي تستطيع ان تنظم العلاقة بينه وبين النائب أو الكتلة النيابية التي نالت صوته، ومكنتهما من الفوز، بعد فرز الأصوات وظهور النتائج. بناء هذه القدرة، يتطلب اتقان متطور لوضع مقاييس الاختيار والتمييز بين برنامج وآخر من جانب، ووضع نظام رقابي، متطور، هو الآخر يتولى التأسيس لعلاقة متينة مثمرة بين الطرفين: النائب والناخب. قد تبدو هذه العملية سهلة، وقابلة للتنفيذ، لكن الوصول إلى الصيغة الصحيحة بحاجة إلى  الكثير من الجهد، الذي يولد الناخب الواعي المتطور.

وكما هو معروف، أصبح من المتعارف أن النجاح في توفير متطلبات الصيغة المثلى التي تحقق الوصول إلى النتائج المطلوبة، أصبحت في عصرنا الحاضر، بحاجة إلى بناء النظام البيئي (Ecosysteem) الملائم القادر على توفير البيئة السليمة لتضافر جهود زاويا مثلث العملية الانتخابية: الناخب، المترشح، ودوائر الدولة المعنية. ومالم يتم ذلك، تتحول العملية برمتها إلى علاقات عفوية ضعيفة نجاحها رهن بمقدرات الصدفة وحدها.