دعوة للقراءة!

 

د. سمير محمود

 

كم من مرة حلمنا بوقت فراغ لقراءة الكتب؟ وأجلنا قراءة هذا الكتاب أو ذاك لوقت يروق فيه البال، ويتحرر الدماغ من التفكير في دوامة الصراع اليومي من أجل لقمة العيش، وتأمين الاحتياجات الأساسية؟ كم من مرة تضجر الآباء والأبناء من طول الانتظار للأمهات في المولات خلال رحلاتهن للتسوق، وكثرة اللف والدوران من متجر لمتجر بحثاً عن لؤلؤة المستحيل الفريدة!

في سلطنة عمان، نحن أمام تجربة فريدة، ليست مجرد مبادرة لقراءة الكتب، وإنّما حلم خططت له جمعية دار العطاء منذ 2007، واحتضنته إدارة عمان أفنيوز مول، والحصاد تدشين أكبر المكتبات العامة للأطفال ومتاجر الكتب الخيرية بمسقط، في الطابق الثالث من المول بهدف التشجيع على القراء، ضمن برنامج يحمل عنوان "هيا نقرأ".

مشروع "هيا نقرأ" جدير بكل التشجيع، وخلفه طابور طويل من المتحمسين لإعادة الاعتبار للقراءة والكتاب الذي هجره الأطفال والنشء والشباب بسبب الهيمنة الكاسحة للألعاب الإلكترونية والكتب الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي؛ وكيف لا نشجعه والدراسات والأرقام مفزعة ومحبطة، حين يتعلق الأمر بمؤشرات القراءة في عالمنا العربي، فمتوسط الوقت الذي ينفقه العربي سنوياً في القراءة بحسب دراسات متفائلة، لا يتجاوز 36 ساعة بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة، يقرأ العربي سنويًا نحو 16 كتاباً سنوياً، معظمها كتب تتعلق بدراسته أو عمله، والبقية لقراءة القرآن والكتب الدينية والروايات والطهي والأبراج وصيحات الموضة والجمال وعالم السحر والشعوذة!

وكيف لا ندعو لدعم المشروع وتعميمه وهناك اضطراب حقيقي في علاقة الأجيال بالثقافة وروافدها خاصة الكتب، وهناك وهم زائف لدى البعض بأنّ ما تُلقي به مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات - بعضها صحيح ودقيق - هو الثقافة بل والطريق السريع للمعرفة، وهناك أجيال كبيرة توقفت عن القراءة منذ عقود، وهناك قطاعات كبيرة في أوساط شبابنا وطلاب الجامعات والمدارس، لا يقرأون كتاباً واحداً في العام، حتى الكتب الدراسية، جرى تعليبها فتحولت إلى مجموعة عروض وشرائح مرئية مبتورة، بعضها لا يسمن ولا يغني من جوع، وهناك رقم ضخم وصادم يقدر حجم الأمية في العالم العربي بنحو 65 مليون عربي من بين 424 مليون هو تعداد سكان الدول العربية مجتمعة.

وكيف لا ننظم بشأن مشروع "هيا نقرأ" حلقات نقاش بل ودراسات تقويمية لبيئة القراءة في المول؛ وكيف لا نخضع السلوك القرائي للدراسة والبعض منا ما زال يتباهى بشراء الكتب وحملها، دون قراءتها، وهي أمور أعتقد أنّها محل اهتمام قسم دراسات المعلومات بكلية الآداب جامعة السلطان قابوس، ولما لا نسأل أنفسنا بكل صراحة عن آخر كتاب قرأناه، وآخر عملية شراء للكتب نفذناها في متاجر ومعارض الكتب، وسنجد بعض الكتب مازالت حبيسة أغلفتها، تزاحمنا في مكاتبنا وبيوتنا وفي الأركان وعلى الأرفف، وأنّ الأمر كله لا يعدو عملية جلب للكتب دون قراءتها والنقاش حولها.

هيا نقرأ ليست المبادرة الوحيدة على مستوى السلطنة، فقد سبقتها مبادرات ومحاولات عديدة، ففي بيت الزبير وتحديداً مختبر الطفل، قصص وحكايات وقراءات ممتعة للأطفال، وشهدت ولاية الرستاق مبادرة "مدينتي تقرأ" وعلى إثرها تأسست مكتبات متنقلة ومعارض للكتب المستعملة وركن للقراءة في المؤسسات الحكومية، ليصبح الانتظار هادفاً، وهناك مبادرة "نحن نحب القراءة" التي انطلقت من الأردن، ومبادرة "أنا عراقي ..أنا أقرأ" والتي أطلقها عراقيون عام 2012  لكسر القطيعة بين الشباب وقراءة الكتب، وفي الإمارات العربية المتحدة مبادرة " تحدي القراءة العربي" قيل أنها الأكبر عربياً، وعرفت مصر لسنوات طويلة مهرجان القراءة للجميع، كما شهدت دول عربية أخرى مبادرات مماثلة، ومشاريع لا تنتهي، لكن تظل أزمة القراءة وتراجع معدلاتها حقيقة وواقعا أليما علينا أن نعترف به ونواجهه.

تحيّة للمبادرة التي تثبت أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات تتجاوز الأقوال إلى الأفعال، وتحية لمريم عيسى الزدجالي، مؤسسة ورئيسة مجلس إدارة جمعية دار العطاء وفريقها، وغدًا عطلة نهاية الأسبوع، فهيا نلبي الدعوة ونذهب إلى المول لنقرأ.

dr.samirmmahmoud@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك