الواجبات المدرسية .. مفيدة أم ضارة؟

د. خالد بن سالم الجرداني

تظل الواجبات المدرسية مجالا للجدال في كل الأوقات بين من يراها من أساسيات التعليم فبدونها لا يُمكن أن يتقن الطالب المهارات المطلوبة، وأنها تُشعرهم بالمسؤولية والقدرة على التنظيم والاستقلال وآخرين يرون أنّ وجودها لا يزيد الطالب إلا إرهاقاً وتكراراً بحيث لا تصل به إلى شيء، بينما آخرون يرون أنَّ الواجبات المقننة التي تكمل وتغذي بعض المهارات التي بدأ بها في المدرسة وبالتالي يرى أن ولي الأمر دوره مساعد في تقوية هذه المهارات نظراً لأهميتها.

وبين تنوع هذه الأفكار الشخصية الخاصة بالمُعلم حول دور الواجبات ونظرة وفلسفة نظام التعليم القائم وكذا نظرة ولي الأمر والمجتمع تحدث بعض الإشكالات وسوء الفهم من منطلق أنَّ كل شخص لديه توجهاته وقناعاته التربوية المبنية على فهم التعلم والتعليم وكذا الخبرات السابقة لتعلم الشخص من عدمه.

من فوائد الواجبات المدرسية أنَّها تقوي العلاقات الأسرية فارتباط الأم مع ابنها وابنتها في أداء الواجبات يجعلها قريبة منهم على الرغم من إمكانية توفر جوانب سلبية أخرى في حال كثرة الواجبات وصعوبتها.

نوعية الواجبات تأثر بشكل كبير على مدى الاستفادة منها من عدمه- فلو كانت في مستوى القراءة والكتابة وجمع المعلومات تظل فوائدها محدودة وأما إن كانت أكثر عمقاً كالتحليل وإبداء الرأي فقد تكون أكثر جاذبية لأدائها وتساند التطور الفكري للطالب.

الترابط بين أهداف التعلم ومُخرجاته وبين ما يعطى من واجبات يُعتبر من أهم مرتكزات وفوائد الواجبات بحيث ينظر هنا للواجبات على أساس أنها مكملة ومؤكدة لهذه المخرجات التعليمية المحددة- لذا وجب على المعلم تحديد هذه المخرجات لولي الأمر.

الدراسات المتعددة والمتواترة تثبت أنّه لا يوجد دليل على أنَّ التحسن في التعليم يرجع إلى الواجبات المنزلية أكثر من الأنشطة الأخرى المساندة، كما يصل البعض إلى القول بأنه لا ضرر من الحد منها وحتى إلغائها من أي نظام تعليمي، هنا يُمكنني القول إنَّ تقليص الواجبات المنزلية هو الأقرب بسبب الحاجة إلى تعزيز بعض المهارات بحيث يُمكن لولي الأمر المشاركة فيها ولكن يجب التنبيه بألا يترك بناء هذه المهارات والمعارف للمنزل بل يجب أن يكون المنزل والأسرة عاملا مساعدا في التعزيز وضبط فهم الطالب.

وتثبت الدراسات أنَّ الطريقة الوحيدة من أجل جعل الواجبات مفيدة هي عندما تكون قصيرة ومتكررة ولكن ليست طويلة. ويمكن التنبيه أيضاً إلى أن الدراسات لم تثبت بأنّ الواجبات هي العلاج لتعثر التعليم للطالب فعلاج تعثر أو صعوبة التعلم يكمن حلها في أمور أخرى كبناء علاقة جيدة بينه وبين معلمه وزملائه وإظهار شيء من تطور للطالب له حين ينجز شيئا ولو بسيطا وربما زيادة وعيه بأهمية التعليم وإشراكه في اتخاذ القرارات الخاصة به.

إذا ما استطاعت المدرسة والمنزل جعل الواجبات المدرسية أمرا روتينياً بحيث ينتهي منها الطالب في الوقت المخصص لها وفي بيئة هادئة تنتهى بإحساسه بالإنجاز فهنا فقط يمكن أن نقول بأنّ الواجبات المدرسية أثرت إيجاباً في تعليمه وتطوره، مع التأكد بأنّه لا يجب أن يراها كأداة للعقاب سواء من المعلم أو ولي الأمر.

السؤال المهم هنا هو ما المدة المثلى لأداء الواجبات المدرسية، وهنا يجب القول بأنَّ هذا الوقت يجب أن يتناسب مع عمر الطالب، الدراسات تُحدد ما بين ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين لطلاب ما بعد الأساسي وبحوث أخرى ترى مضاعفة الصف الدراسي بعشر مرات ومثال ذلك الصف الخامس (لا يزيد عن 50 دقيقة) والصف السابع (لا يزيد عن 70 دقيقة) وهناك طرق أخرى متعددة، المجمل والواضح من هذه البحوث بأن يقنن موضوع الواجبات بنوعيتها وبالوقت المقترح مع وجود تواصل بيت معلمي المواد المختلفة من أجل ألا يزيد الوقت عن حده وتتجه الأمور إلى اتجاهات سلبية قد تصل إلى أداء أطراف أخرى أسرية أو مكتبية لهذه الواجبات!

الواجبات يجب أن تكون وسيلة للتطوير حيث إنه يمكنه التعامل مع الأخطاء التي قام بها بحيث لا يُمكن أن تنتهي بإشارة الصح فقط أو كلمة مثل جيد وغيره، المتوقع من المعلم أن يقضي بعض الوقت لإضافة تعليق وتحديد سبل التطوير في هذا النشاط أو النشاطات المشابهة، وإلا فلا فائدة قد يجنيها الطالب إلا أنه أضاع وقته وجهده في أداء واجب لا يعود عليه بأي أفق تطويري ملحوظ من وجهة نظره على الأقل.

بالنسبة لولي الأمر فمن المفترض أن يُساعد على تسهيل إنجاز الواجبات وليس تعليم المحتوى التعليمي أو القيام بأدائها، كما لا يجب أن يشعر ولي الأمر بالخوف من عدم فهم ابنه أو ابنته لبعض المعارف والمفاهيم حيث من المفترض أن يقوم المعلم بمُراجعة هذه الواجبات والتركيز على أداء الطلاب بشكل عام ومن ثم التركيز على جوانب الضعف فيها والتأكيد عليها من خلال مواد تعليمية جديدة أو إعادة العمل في الأنشطة السابقة حتى يتأكد من حصول الطالب على ما يحتاج من أجل تحقيق المخرجات التعليمية الخاصة بالمادة وبالفصل الدراسي المحدد، أما إذا ما وجد ولي الأمر بأنّ ضعف ابنه قد يحتمل وجود ضعف في مهارات التعلم البسيطة فالتواصل المُباشر مع المعلم أمر مهم جداً من أجل تطوير خطة عمل مشتركة من أجل الإسراع في تطوير الطالب وتعزيز هذه المهارات الأساسية.

إذا ما وجدت يا ولي الأمر أنَّ أداء الواجبات أصبح هماً عليك وعلى الطالب فأعلم أنّ هناك إشكالية ولذا يجب التواصل المباشر مع المعلم؛ حيث إن الواجبات وجدت من أجل التعزيز وليس العكس ومن أجل مشاركة ولي الأمر بشكل إيجابي في تطوير الطالب.

تعليق عبر الفيس بوك