أصحاب العيون الصغيرة أكثر ذكاءً وجديّة

حمد العلوي

يقول المثل إذا عُرف السبب بطل العجب، فالعرب يعدون من أصحاب العيون الكبيرة، لذلك تجد العربي أقل جدية وإنتاجاً، فالسبب كبر حجم العين، ودليل على ذلك فأنت إذا أردت التركيز على شيء ما، فإنك تضيق عينك لترى أفضل وأدق، فلا لوم على الجنس العربي إذا تطبع بطبع التهرب والمماطلة، لأنّ المشكلة في العيون الكبيرة، وقد يطينها أكثر فيكحلها حتى تبدو أكبر من حجمها الحقيقي، فهنا اغسل يديك منه، وأعلم علم اليقين أنّ هناك تضادا طرديا في الأمر، فكلما كبر حجم العيون قل العقل والإنتاج وزاد حب السلطة والتسلط والحسد والتحاسد، وكلما رأيت بياض العين أكثر اتساعاً وبؤبؤها أقل حجماً، ففي ذلك حنق وحقد وحسد على الآخر؛ حتى ولو لم يكن هناك سبب لذلك، فهذا طبع متناقل مع الجينات الوراثية.

إذن؛ المقولة السائدة إنّ أصحاب العيون الضيّقة، أكثرهم حسداً ومكراً، ولكنّ الناس في شرق آسيا يبطلون هذه المقولة، وذلك أمام وجود دلالات قطعية الثبوت. إنّ أصحاب العيون الصغيرة هناك، يُعدُّون الأكثر جدية وذكاء، ولديّ ما أدلل به على هذا الكلام، وليكن المثال من اليابان التي سبقت كل الدول ذات العيون الصغيرة في التصنيع والاهتمام بالعقول المنتجة الصناعية، فاليابان التي أراد الأمريكان تحطيمها والحكم عليها بالتخلف والفشل بعد استسلامها لهم إثر الهجوم النووي عليها، فالياباني لم يجلس "ويمسك جمومه" كما يقال بالمثل المحلي عن الإنسان السلبي، فبعدما أمرت أمريكا اليابان بإلغاء الجيش الوطني، وإن أمريكا هي من سيتولى حماية اليابان، فرح الياباني لهذا القرار السلبي في ظاهره الإيجابي في نظرة الياباني الذكي.

لقد تفرّغ الياباني من همّ ومسؤولية الدفاع عن الوطن، فتحول وبسرعة كبيرة إلى الصناعة، واليابان ارخبيل من الجزر لا مقومات سهلة للحياة فيه، وهي معرضة للزلازل والهزات الأرضية تكاد يومياً، ولكن كان الاستثمار في العقل البشري، هو الهدف الأساسي وليس الأرض والجغرافيا، وبدأت نهضة صناعية كبرى، لحقت بالغرب الصناعي بل وتقدمته، وكان الطلبة اليابانيون إذا ما ذهبوا للدراسة في الغرب وأمريكا، فأنهم يُربَطون بمراكز اتصال مع الوطن الأم، فيقال للطالب الذي يسكن مع عائلة في بلاد الغربة، بالإضافة إلى الدراسة وطلب العلم، عليك أن تخرق السمع وأن تنصت باهتمام لمتطلبات وأمنيات العائلة التي سكن معها، أو للناس الذين تلتقيهم في الحي، وكل شيء تسمعه من أمنيات أكتبه وأرسله فوراً.

فعلى سبيل المثال، إذا سمعت من المرأة الأمريكية أمنية في سيارة صغيرة.. سجل ذلك، وإذا سمعت منها تتمنى غسالة ملابس تغسل وتنشف آليا.. فسجل ذلك وهكذا، فيقوم بإرسال تقارير منتظمة عمَّا سمع إلى مركز الاتصال في اليابان، وماهي إلا شهور قليلة حتى يجد هذا الأمريكي حاجته التي تمناها، متوفرة في الأسواق الأمريكية، فأصابت الدهشة الأمريكان من سرعة اليابان في تلبية طلبات الناس، وبالتقصي عرفوا من الذي يبلغ اليابان تلك الاحتياجات، فأصدروا قراراً بمنع سكن الطلبة اليابانيين لدى العوائل.

إذن الجدية تختلف بحسب الموقع الجغرافي ونوعية الناس، فنحن العرب لو لا فضل الله علينا بالنفط الذي اكتشفه الغرب لنا، لوجدتنا اليوم نكشُّ الذباب عن التاجر الياباني أو الصيني، وننظف الشوارع هناك وليس هنا، وأظن إننا سائرون إلى نفس المآل، لأنّ النفط أما ناضب، وأما هناك بديل عنه أقل كلفة، وأكثر جودة منه.

ونحن في عُمان، كان لنا اهتمام بالزراعة حتى أُصبنا بنزقة النفط، وتركنا الاهتمام بالزراعة والتجارة للوافدين، ومن ضمن سلوك التخدير الحكومي، فرض للعُماني راتب لا يقل عن 350 ريالا عُماني، بغض النظر إن عمل بما يساويها أم لم يعمل، وإلهاؤهم بالوظيفة الحكومية، وهي تُعد الأكثر جاذبية.. وكيف لا؟! وهي مجرد سلطة بلا عمل، وإجازات حتى درجة الملل.

ترى إلى متى سنظل سائرين بلا خطط واضحة لنهضة صناعية ترتقي بالبلد، أم علينا أن ننتقل بجغرافيتنا من هذه البيئة الكسولة إلى شرق آسيا، وهناك سنجد من يهتم بالعلم والعلماء، ويهتم بالمبتكرين والنابغين، فهناك مواطن صنع سيارة صالون بجهوده الذاتية، وهناك آخر صنع سيارة ذات الدفع السداسي، وهناك من ابتكر مصعد منزلي، وهناك من ابتكر مادة تغني عن غاز الطبخ، وحتى هناك من اخترع مصيدة لماء المكيف تعمل آلياً، فكلما امتلأ الحوض بالماء، تفرغ آلياً في مزروعات المنزل، وهناك من لديه فكرة في عمل مصعد آلي للنخيل، واختراعات كثيرة يقوم بها العقل العُماني، وليس له إلا أن يتصور بجوارها، ويحتفظ بالصورة للذكرى.

لكن هل من مُتبنٍ لهذه الأفكار، التي بمقدورها أن تحول عُمان إلى بلد صناعي؟! لا ليس بعد، لأنّ كل المؤسسات التي وُجدت للدعم والتبني، تعد كالسراب يصعب الإمساك بشيء منها، وهي مجرد هيكلة وظيفية تلزم رئيسها بلبس الخنجر والبشت، وحضور اجتماعات فكلورية، ووجاهة لا ضرورة لها، وهي لا تغني ولا تشبع من جوع، وكل تلك المشاريع التي تم رفعها إلى المقام السامي - حفظه الله- أكانت ما سمي بـ "سند، أم صندوق الشباب، أو صندوق رفد" هي عناوين جميلة، ولكنّها عبّرت عن تصحُّر في فكر مُقترحيها، لأنّها لم تحدث النقلة النوعية المطلوبة، وإنتاجها لا يساوي الملايين التي رصدت لها، فإن ينجح بائع هواتف أو بائعة ملابس جاهزة، فهذا لا يعد نجاحاً ذا ديمومة واستمرار، فلو كان هناك صانع هواتف بدلاً من مسوق لشركات أجنبية، أو مصنع نسيج، بدل ملابس جاهزة، فهنا سنعترف أن هناك شيئًا أنجز وباقٍ على الأرض العُمانية.

إذن ما تنشده عُمان اليوم، أن تكون هناك صناعات وطنية ذات قيمة، وأما أن نعلق شماعة على الشركات الوافدة كتلك التي تحل في الدقم اليوم وغير الدقم، ونحن نتعهد بتوفير البيئة الآمنة لها، ثم القيام بمهمة التسويق لها، فكأنك يا أبا زيد ما غزيت، وما لم نكن نحن مستعدين بالمشاركة الفعلية، وليس بتوفير السواقين وحراس الأبواب، وذلك كما جرت العادة مع الشركات السابقة، حيث كان التعمين في الدرجات الدنيا للوظائف، ثم نجلس نندب حظنا على فشل التعمين.. ونحن كنا السبب، لأن النظرة كانت قصيرة جداً، ولا ترقى لقيادة نهضة صناعية كبرى.

لقد تعنّى وحضر إلى عُمان رجل النهضة الماليزية، وظل مقيماً فترة بين ظهرانينا، حباً منه لعُمان ولسلطانها المفدى، وأتى بالخبراء معه، وذلك لعله يستطيع أن يُمسِّك المسؤولين لدينا بتلابيب التقدم، ولكنه أقفل عائداً إلى وطنه يائساً (ربما) لأنه كما يقول المثل؛ "إللي ناره ما منه وفيه ما تنفعه نار غيره" إذن لا بد من نفضة تسقط الورق الهايف وتبقي على الأخضر، فهناك مسؤولون ملَّ منهم المجتمع، وأصبح لا يثق بهم إطلاقاً، ويتضجر من أية مزحة قالوها، سواء كانت تلك المزحة بـ "الشاوارما أو العربون" أو حتى لو كان القول صادقا أو مزحة عابرة، وهذا أمر لا علاقة له بقراءة العيون، وإنما هذا المجتمع لم يشعر يوماً ما أنّ هناك مسؤولين قد صفوا معه في شيء، ولم يقنعوه أنّهم محل ثقتهم، والمواطن اليوم ليس ذلك المواطن قبل أربعة عقود، حيث كان جله يتكلم وكله صامت، فما يريده مواطن النهضة الحديثة هو التفاعل والشفافية، ولا يرضيه التهميش والتفكير نيابة عنه، دع عنك أن يتم تسييره كما يريد المسؤول، وحسب قدراته الضعيفة.