رئيس "اجتماعية الدولة" يرسم خارطة طريق لضمان التطبيق الفعلي للسياسات

المحور الأول من المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية يقترح آليات استدامة البرامج عبر حزمة من الإجراءات

 

 

  • السالمي: قلة الخبرات وارتفاع تكلفة تنفيذ برامج أهم المعوقات أمام المسؤولية الاجتماعية
  • يجب بناء الثقة وتفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص وتوفير بيئة استثمارية ومرونة في القوانين وإعفاءات ضريبية

 

الرؤية- مريم البادية

 

ناقش المحور من المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية "آليات استدامة برامج المسؤولية الاجتماعية"؛ حيث قدّم المكرم الدكتور حمد بن سليمان السالمي رئيس اللجنة الاجتماعية بمجلس الدولة ورقة عمل بعنوان "سياسات وآليات لضمان التطبيق الفعلي لبرامج المسؤولية الاجتماعية".

وتناولت الورقة لمحة تاريخية عن تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتعريف المسؤولية الاجتماعية، وواقع المسؤولية الاجتماعية في السلطنة، والتحديات التي تواجه تفعيل المسؤولية الاجتماعية، والآليات المقترحة للحكومة لتفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات، والآليات المقترحة للشركات لتفعيل المسؤولية الاجتماعية.

 

 

وأشار السالمي إلى معوّقات تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وذكر منها عدم وضوح المفهوم، موضحا أنّه لم يتحدد بعد فهناك خلط بين مفهوم المسؤولية والعمل التطوعي الخيري؛ فالأعمال جميعها تنصب في المفهوم الثاني أي أنّها لا تصل إلى مستوى المشاريع التنموية المستدامة. وأضاف أنّ من بين المعوقات قلة الخبرات اللازمة لتطبيق برامج المسؤولية الاجتماعية خاصة في المجالات إعداد التقارير والمتابعة ومؤشرات التقييم، وارتفاع تكلفة تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية وعدم تخصيص الموارد المالية الكافية لتغطيتها، وغياب الأطر التنظيمية التي توفر البيانات والمعلومات اللازمة لإقامة مشروعات تنموية في إطار برامج المسؤولية الاجتماعية وتعمل على تنسيق بين مختلف الجهود ومن ثمّ تقوم بمتابعتها وتقييمها، علاوة على الإجراءات الروتينية الطويلة للحصول على الموافقة والتصاريح اللازمة لإقامة المشروعات.

وعدد السالمي الآليات والأساليب المقترحة لتفعيل تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتتمثل في إيجاد هيئة أو جهة أو مؤسسة على المستوى الوطني يوكل إليها تنظيم وتأطير وتوصيد الجهود المبذلة في مجال المسؤولية الاجتماعية، وتسهيل الاجراءات المرتبطة بأداء القطاع الخاص للمسؤولية الاجتماعية بتوفير المعلومات اللازمة وانسيابها بسهولة ويسر المتعلقة بالاحتياجات التنموية المادية منها والبشرية لتسهيل عمل القطاع الخاص للاضطلاع بمسؤولياته الاجتماعية، وتحديد مفهوم المسؤولية الاجتماعية.

وذكر السالمي أنّ من بين المقترحات تكثيف الترويج لمفهوم المسؤولية الاجتماعية بتفعيل دور الإعلام بمختلف وسائله لتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى جميع فئات المجتمع، وتقديم حوافز معنوية كالجوائز وشهادات التقدير للمؤسسات المساهمة بفعالية في المسؤولية الاجتماعية، وإعطاء امتيازات خاصة في مجال المناقصات للمؤسسات المبادرة والمميزة في مجال المسؤولية الاجتماعية، ومنح إعفاءات ضريبية للمؤسسات الرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية.

واقترح السالمي كذلك تذليل الصعوبات التي تعترض مسار المؤسسات الوطنية لتعمل بكفاءة في ممارستها لأنشطتها للتغلب على الوقوف أمام المهددات الخارجية؛ منها المنافسة العالمية على سبيل المثال، والاستفادة من المواصفات الدولية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية.

كما نادى بضرورة بناء الثقة وتفعيل الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والخاص لأنهما وجهان لعملة واحدة فلا بد أن تكون العلاقة بينهما وطيدة وقائمة على الشفافية والمسؤولية، وتوفير بيئة استثمارية وأعمال مواتية مثال مرونة في القوانين إعفاءات ضريبية. كما دعا السالمي إلى تأسيس صندوق استثماري للمسؤولية الاجتماعية تودع فيه نسبة من تبرعات القطاع الخاص لاستثمارها والاستفادة من أرباحها لصرفها على برامج المسؤولية الاجتماعية، بجانب تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تعني بالمسؤولية الاجتماعية لموظفي الحكومة والقطاع الخاص والمهتمين من أفراد المجتمع.

 

الجلسة النقاشية

وأعقب ورقة العمل عقد جلسة نقاشية بمشاركة السيد حامد بن سلطان البوسعيدي المدير التنفيذي لمركز عُمان للحوكمة والاستدامة، والمكرم الدكتور حمد بن سليمان السالمي رئيس اللجنة الاجتماعية بمجلس الدولة، وعبدالأمير بن عبدالحسين العجمي المدير التنفيذي للشؤون الخارجية والقيمة المضافة بشركة تنمية نفط عمان، والمهندس أشرف بن حمد المعمري المدير العام لشؤون الشركة بشركة النفط العمانية للاستكشاف والإنتاج، ولينا الحصين رئيسة قسم الاتصال والمسؤولية المجتمعية بمؤسسة الزبير، والبروفيسور ماري كوساكورا المحاضِرة في كلية إدارة الأعمال في إستونيا، فيما أدار الجلسة الإعلامي يوسف الهوتي.

وشهدت الجلسة مناقشات حول خطط وبرامج المسؤولية الاجتماعية، والآليات الكفيلة بتحقيق أقصى استفادة ممكنة للمجتمع المحلي، فضلا عن تسليط الضوء على أبرز القطاعات التخصصية المُنفِقة على خطط المسؤولية الاجتماعية، وبحث وسائل وسبل تشجيع مختلف أنواع الشركات وليس فئات بعينها على تنفيذ مشروعات المسؤولية الاجتماعية. وناقشت الحلقة أيضا جدلية تخصيص مجال محدد لمشروعات المسؤولية الاجتماعية كل عام، أو ترك حرية الاختيار للشركات الداعمة، وتباينت آراء المشاركين في هذا الجانب. كما شهدت الجلسة النقاشية الرد على التساؤل الخاص حول الخلل في غياب تنظيم جهود المسؤولية الاجتماعية في السلطنة، وما إذا كانت هناك محافظات أكثر استفادة من مشروعات المسؤولية الاجتماعية عن غيرها.

واستهل الإعلامي يوسف الهوتي الجلسة النقاشية الأولى بالترحيب بالمشاركين من القطاعين الخاص والحكومي، ثم عرج إلى أهمية المسؤولية الاجتماعية للأجيال القادمة، والتي لا تقتصر فقط على الأعمال الخيرية، بل تمتد إلى أداء وظائف مختلفة في إطار التنمية المستدامة، وخاصة فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل، وهذا الأمر يتطلب أن يكون هناك تنسيقا مشتركا بين الجهات المختلفة لتكون هناك هيئة أو مديرية عامة، مختصة بهذا الأمر في وزارة التنمية الاجتماعية، ويأمل الهوتي أن تكون أعمال ونتائج هذه المؤسسات ليست فقط على شكل توصيات، بل يجب أن يكون هناك تبني قرارات تسهم في تنمية الشباب، ثم انطلق الهوتي بالترحيب بالضيوف المشاركين في الجلسة.

واستهلت الجلسة مع السيد حامد بالسؤال حول دوائر المسؤولية الاجتماعية وتطبيق هذا المفهوم في مجال الحوكمة والاستدامة، فقال إن الهيئة العامة لسوق المال أدركت مفهوم المسؤولية الاجتماعية بمفهومه الحديث فأطلقت مبادرة برعاية سعادة السيد عبدالله السالمي الموقر، حيث كانت هناك رغبة من قبل القطاعين العام والخاص لتفعيل هذا الجانب، حيث أُسس مركز خاص بالحوكمة والاستدامة. ثم تطرق إلى أنّ المجتمع يعاني من حالة الخلط بين الأعمال الخيرية – عمان سباقة في هذا المجال بأنواعه- والمسؤولية الاجتماعية، وهناك مبادرات كثيرة من قبل المؤسسات، حيث ساهمت في مجال المسؤولية الاجتماعية سواء كان ذلك عملا خيريا أو يمس قطاعات مختلفة، ولكن توجد لديها رغبة في تغيير هذا المفهوم، فستبقى هذه الأعمال سواء كانت عينية أو نقدية، أو تأخذ شكلاً من أشكال المسؤولية الاجتماعية ولكن سيتغير هذا المفهوم بناء على المبادرات القديمة والحديثة التي أطلقتها الهيئة العامة لسوق المال.

ثم عقب البوسعيدي على الأدلة والوثائق التي تدلل على ذلك، حيث أشار إلى أنّ الهيئة أعلنت في العام المنصرم عن الحقوق الاستدامة وجارٍ العمل عليها حاليًا وهو عبارة عن إعداد مشروع خاص بالمسؤولية المستدامة حيث سيطلق عليه "ميثاق السياسات الوطنية في الاستدامة" حيث سيشمل هذا المشروع مؤسسات القطاع العام والخاص من خلال ملتقى حول ذلك جمع 35 مؤسسة وبحضور 54 شخصا وهي شراكة بين مختلف الجهات وذلك تطبيقا لمبدأ المشورة في تنفيذ مشاريع المجتمع، ويجري العمل على هذه السياسات التي ستدشن في المؤتمر القادم للهيئة في 4 ديسمبر، ويتطرق هذا الميثاق إلى عناصر كثيرة سنعرفها في المؤتمر القادم.

وأشار إلى أنّ المسؤولية الاجتماعية تندرج تحت مفهوم الاجتماع، والمسؤولية المستدامة هي مسؤولية المؤسسات تجاه ثلاثة عناصر مجتمعة وهي البيئة والمجتمع والاقتصاد، حيث يجب أن تكون هذه العناصر جزءاً من عمل المؤسسة، حيث لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تنمو مؤسسة وتتوسع دون الأخذ في عين الاعتبار بهذه العناصر في مجال عملها.

ثمّ انتقل الهوتي إلى الدكتور السالمي للحديث عن مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى ومدى اهتمامهم بهذا المؤتمر حول الاستدامة الذي سينطلق في ديسمبر القادم، ليؤكّد السالمي ذلك من خلال ما قام به المجلس سابقا في 2012 مناقشة دراسة حول المسؤولية الاجتماعية. وعرّج الهوتي إلى العجمي ليناقش أعمال شركة تنمية نفط عمان ومدى اهتمامهم بهذا مجال، فقال إن الشركة لا تدير إنتاج النفط والغاز فقط بل تتعداه إلى تعظيم الآثار الإيجابية المترتبة على العمل في قطاع النفط والغاز، وبهذا نساهم في تنمية المجتمعات المحلية، وكذلك تقليل الآثار السلبية التي تخلفها الشركة، فالتنمية المستدامة هي من أساسيات الأعمال التي تتبناها الشركة، كما أنها خصصت ميزانية مباشرة وأخرى غير مباشرة لتنمية المجتمعات.

ووجه الهوتي سؤالاً لأشرف المعمري عن تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى شركة النفط العمانية للاستكشاف والإنتاج، فقال إنّ الشركة قفزت تدريجيا من أعمال خيرية إلى أخرى تعنى بمشاريع لاستثمار التنمية المستدامة في البلاد وتركز على عناصر المجتمع والبيئة والاقتصاد.

وأضاف أنّ الشركة لديها توجه كبير في هذا الجانب، حيث قامت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتوجيه ورش عمل لصفوف الحلقة الأولى والثانية لتعريفها بصناعة النفط والغاز، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع الوزارة لمواكبة الأساليب الحديثة في مجال التعليم والمساهمة في تطويره. كما أنّ جزءا كبيرا من استثمار الشركة يذهب إلى البرنامج المقدم إلى الصفين العاشر والعادي عشر لتأهيلهم للمنافسة في الجامعات التقنية العالمية، والذي انطلق منذ عام 2012، وهو البرنامج الوحيد المتخصص في السلطنة الذي يعنى بهذه الفئة العمرية في هذا المجال، وتمثل نتائج هذا البرنامج في دخول أول طالب عماني إلى جامعة أوبايتي في أمريكا وتخرجه منها.

وأشار المعمري أيضا إلى أنّ الشركة بالتعاون مع شركات تنمية نفط عمان افتتحت أول معهد لها في مجال النفط والغاز الذي يعنى بتخريج المهندسين، كما أنّه سيكون هناك افتتاح رسمي للمعهد الثاني في 30 من الشهر الجاري.

وانتقل الهوتي إلى توجيه السؤال إلى لينا الحصين من مؤسسة الزبير حول إمكانية تكوين شراكة بين القطاع الخاص والحكومي فيما يتعلق بموضوع التنمية المستدامة، حيث إنّ المؤسسة أطلقت عددا من البرامج التدريبية لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإلى أين وصلت هذه البرامج، فأجابت الحصين أنّ خلال عمر المؤسسة الممتد تطور مفهوم المسؤولية بتطور المؤسسة، ولذا كانت هناك عدة نتائج منها النظر في الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة، وإلى التخصصات التي تتميز بها المؤسسة، لإبراز نقاط القوة لدى المؤسسة وطرحها على المجتمع، مشيرة إلى أنّ مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي تأسس منذ خمس سنوات بدأ بـ140 عضواً ووصل اليوم إلى أكثر من 900 عضو، كما تمّ التعاون  مع 22 مؤسسة في القطاعين داخل السلطنة وخارجها، أمّا العمل الآخر في هذا المجال فإنّ مؤسسة بيت الزبير التي تعنى بالثقافة والفن والتراث والهوية العمانية، أطلقت "مبادرة اقرأ" لتشجيع المؤلف العماني على الكتابة، كما أنّها تشجع على ثقافة القراءة بين أوساط المجتمع، ومبادرة "لأجلهم" لمرضى التوحد.

وفي ختام الجلسة تطرّق الهوتي مع البروفيسور ماري كوساكورا إلى تجربتهم في أستونيا عن المسؤولية الاجتماعية، فقالت إنّها عملت في هذا المجال لمدة عشرين عاما وقامت بالعديد من الأبحاث وتقديم الاستشارات لعدد من المؤسسات لتكون في مجال المسؤولية الاجتماعية، وشددت على أهميّة الرغبة والاستعداد لدى القادة في تقديم ذلك للمجتمع لتغيير العقلية السائدة عن المسؤولية الاجتماعية، وهذا الأمر لم يتأتَ بين يوم وليلة بل أخذ بعض من الوقت، فتشكّلت العديد من الشركات التي أصبحت نموذجا يُحتذى به، وهذا النموذج على غرار القطاع العام، حيث واجهنا مشكلة في تغيير هذه العقلية. وأشادت كوساكورا بالخطوة التي وصلت إليها السلطنة وقدرتها في تضافر الجهود الحكومية والخاصة في هذا المجال.

تعليق عبر الفيس بوك