هل انتهت الأزمة التركية؟

 

محمد السالمي

مرَّ شهران على أزمة الهبوط الحاد في الليرة التركية، تبعها الكثير من الإصلاحات الاقتصادية؛ مثل: رفع سعر الفائدة، وما حدث مُؤخرا من تخفيف حدة السِّجال الأمريكي-التركي الذي تمثَّل في الإفراج عن القس الأمريكي. ولاستيضاح الأمر بالمستجدات: هل حقا انتهت مشكلة أزمة الليرة التركية؟ هل هذه الإصلاحات كفيلة باستعادة النمو المتسارع في الاقتصاد التركي مقارنة بالسنوات الماضية؟ وهل الإفراج على القس الأمريكي يمكن اعتماده كمؤشر على حقبة جديدة في السياسة التركية؟

قبل الخوض في جدوى الإصلاحات، دعُونا نستحضر جذور الأزمة. فبعد الأزمة التركية في أواخر التسعينيات، تبنت تركيا سياسة انفتاحية لجذب الاستثمارات الخارجية لتغير الوضع الاقتصادي، والذي أسفر عن نمو متسارع، ولتكون تركيا ضمن القوى الاقتصادية في المنطقة والعالم. ومع الأزمة المالية العالمية، وللمحافظة على النمو، تبنت الحكومة التركية سياسة التيسير الكمي، من خلال السماح للاستدانة من الخارج بنسب منخفضة، ومنح الشركات ضمانات للاقتراض، وهي جيدة لدعم النمو، لكنها قد تتحول نتائجها عكسية على المدى البعيد عند التخلف عن السداد. ومع بروز الدور السياسي التركي على الساحة الإقليمية والدولية بعد أحداث الربيع العربي، والتي تمثل دورها في سوريا، وأيضاً داخليًّا في القضايا الأمنية من محاولة الانقلاب العسكري إلى تغير نظام الحكم لنظام جمهوري رئاسي، شكَّل إحدى أوراق الضغط على الاقتصاد التركي.

فتفاقم الوضع الاقتصادي أدى لعزوف المستثمرين، حتى مع محاولات الإقناع التي لم تتكلل بالنجاح؛ حيث لم تترجم على الواقع؛ إذ لم تتسم بالحكمة بشيء؛ فمثل زيادة صلاحيات الرئيس في تعيين رئيس البنك المركزي أو التأثير على قراراته، و تعيين صهره في منصب وزير المالية، وأيضاً مناداة الشعب لدعم الليرة التركية، أثرت بشكل كبير على ثقة المستثمر. يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على أنه ضد سياسة رفع نسبة الفائدة، حيث يرى نسبة الفائدة المنخفضة مهمة لضمان استمرارية النمو، ولكن يجب التأكيد على أن هذه السياسة النقدية مهمة لكبح التضخم. فتراجع الليرة ليس وليدة عقوبات ترامب، وإنما التراجع كان بشكل تدريجي على المدى الطويل منذ الخمس سنوات الماضية. أدى هذا الهبوط الحاد في العملة إلى تزايد الضغوط على الشركات التي تعاني من عبء الديون الثقيلة من العملات الأجنبية.

بعد أشهر من المماطلة والتقاعس، قام البنك المركزي التركي مؤخراً برفع سعر الفائدة، ولكن تأثيره أقل، مقارنة إذا ما تم الإقدام عليه بشكل مبكر، لكنها خطوة مهمة لاحتواء الهبوط في العملة. كما وضع وزير المالية نهجاً جديدًا يمزج بين الإقناع الأخلاقي والسياسة النقدية للتصدي للتضخم، والذي تمثل في حث الشركات على منح خُصومات على الأسعار لوضع التضخم تحت السيطرة؛ حيث وصل التضخم إلى ما يقارب 25%، وهو الأعلى منذ 15 عاما. في المقابل، رجوع السلطة لهذا المنطق الاقتصادي في الإصلاحات أسهم في وقف تدهور العملة، ولكن إرجاع العملة للمستويات السابقة لا يزال يحتاج الكثير. كما أن الإفراج عن القس المحتجز قد يفضي لإعادة العلاقات الاقتصادية التركية-الأمريكية إلى مجاريها، كما بينه الرئيس ترامب.

... من المُبكر القول بأن الأزمة التركية انتهت، حيث يجب عدم التغاضي عن تعثرات السداد كون الكلفة قد ارتفعت. ولكن هذه الإصلاحات مهمة ومنطقية، ومن المثير أن نرى إلى أية مدى استجابتها وانعكاسها على الواقع التركي. ومع ذلك يجب أن لا نتغاضى عن أن السلطة التركية الحالية تتعامل في بعض الأمور كردات فعل أو من خلال شخصنتها، وهذا ما يُثير التشاؤم.

تعليق عبر الفيس بوك