الشموخ العُماني لا تحده الأرقام

 

حمد بن سالم العلوي

نعيش هذه الأيام نفحات التمرين العسكري "الشموخ 2" وقد يتبادر إلى ذهن البعض أنَّ عُمان بدأت الآن في رقي درجات المجدُ والشموخ، والحقيقة أنَّ عُمان تسبح في بحور من التاريخ اللا متناهي من الأمجاد، والرسوخ العميق في الزمن البعيد، الذي لا تحده حدود، ولا ينقطع تواصله، إلا بالأثر الأول لسيدنا آدم عليه السلام، فإذا تكلمنا عن البداية وربطناها بهجرة الأزد إلى عُمان في الألف الثاني قبل الميلاد، فإننا سنبخس عُمان حقها في الوجود البشري، وليس الجُغرافي، فالوجود الجغرافي موجود منذ خلق الله السماوات والأرض، لأنَّ ربط التاريخ العُماني بالهجرة الأزدية، يجتزء شيئاً من تاريخها البعيد، فعُمان كانت عامرة بالحياة والناس من قبل ذلك، وإلاّ سنُخالف المكتشفات الأثرية والدراسات العلمية، التي تعطي لعُمان ألوف كثيرة من السنين للوجود البشري المتصل على الأرض العُمانية.

وبالعودة إلى تمرين الشموخ 2 وقد سبقه الشموخ 1 وحتماً لن يتوقف عند هاذين الرقمين، وإنما هي سلسلة من التمارين الدورية للجيش السلطاني العُماني النظامي، وهذا الجيش الذي استطاع أن يحشد بسهولة 70 ألفاً لهذا التمرين، فهو لم يخلِ البلاد من قوة مناسبة لصد أي عدوان مباغت من خارج الحدود، ولم يستدعِ المتقاعدين وهم بالآلاف، خاصة وأن القيادة العُمانية تعلم بوجود فورة شيطانية للشر في المُحيط القريب قائمة الآن، وهي تعلم أيضاً إن كان للشر جولة، فللخير ألف جولة وجولة، وعندما نشير هنا إلى الجيش النِّظامي، فإن عُمان لديها جيش رديف بمثابة جيش الاحتياط وهو داعم للجيش النظامي، ألا وهو الشعب العُماني المسلح، والذي يُجيد فن القتال دفاعاً عن الوطن والكرامة العُمانية، وعُمان كانت في الماضي ليس لديها جيوش نظامية، ولكن كان لديها قادة للجيوش، وهذه ميزة في العُماني، ونتيجة لذلك تشكلت إمبراطورية عظمى حمت كيانها، وجوارها بالشعب العُماني المُقاتل بطبيعته الخُلُقية والأخلاقية.

وهذا التمرين العسكري الذي أطلق عليه مسمى الشموخ 2 سيلحق به تمرين أكبر مشترك مع القوات الملكية البريطانية، وذلك تحت مسمى رمزي "السيف السريع 3" وهذا توافق حميد، ولا أحد سيقول عنه إنّه أتى صدفة دون تخطيط، ولكن الصدفة التي وافقت هاذين التمرينين، هي تلك الأحداث التي تجري في المنطقة، وخاصة في دول الجوار القريب، ثم ما الذي لفت انتباه المرجفين في الأرض، حتى يرعبهم هاذان التمرينان المخطط لهما قبل سنوات مضت، وعُمان قد دأبت على إجراء مثل هذه التمارين الدورية، وذلك خلال العقود الماضية، فما الجديد في الأمر إذن حتى تصبح هذه التمارين مقلقة للبعض؟! إلا إذا كانت هناك نوايا خبيثة مبيتة ضد عُمان؟!!.

نقول لهم إنَّ شموخ عُمان، هو سيفٌ للحق متى وجد للباطل منفذا، وإن التمارين العسكرية درع لردع الغدر والخيانة، والذبُّ عن حياض الوطن، وليس لنشر الشَّر والخراب والفساد في الأرض، وإن التمارين تجرى بين الدول الشقيقة والصديقة، وخاصة الدول ذات الندية في المكانة والاعتبار، أما ما يروج له المرجفون في الأرض ويسعون لإشاعته، بأن هناك تابعا ومتبوعا، إنما ذلك أقصى فهم للعلاقة في عرفهم كتابعين لغيرهم، فهم لا يعرفون ولا يعترفون إلا بالتابع والمتبوع، لأنهم جبلوا على هذا النمط من التعامل، فعلى ذلك النهج تأسست علاقتهم مع الآخرين، فإما أن تكون تابعاً للقوي، وإما متبوعاً من الضعيف، فلا مكان للندية في التعاملات البينية حسب برتوكولهم القائم على التبعية، وهذا ما كنَّا ندركه خلال سنوات مجلس التعاون الخليجي، حيث كان الجميع يرى في التعاون صيغة توافقية مُثمرة، عدا من كان يراها تابعة له بحكم النشأة والفهم الخاص به، وذلك كان سبباً رئيساً في عدم التوافق في المجلس إلى درجة الفشل الذريع.

ترى ماذا يقول المرجفون في الأرض؟ عن المناورات التي دأبت السلطنة على أجرائها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، هل كانت تمارين تجرى منذ ذلك التاريخ لتختتم مع تمرين السيف السريع3 وذلك لتحقيق هدف ما كان مبيتا؟! أم كانت مجرد تمارين تم أجراؤها بمشاركة دول شقيقة وصديقة؟ فقد كانت تجري على أرض عُمان تمارين لدرع الجزيرة، وكانت عُمان تشارك في ذلك لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وقد جرت على أرض عُمان أو مياهها الإقليمية، وهي تمارين مشتركة أو ثنائية مع معظم دول المجلس، وأجريت في بحري عُمان والعرب، تمارين عديدة مع الكثير من الدول الصديقة، وأذكر منها الهند وإيران ودولا أخرى عديدة، إذن أين المشكلة اليوم أن تجري عُمان تمرينا منفردا، وهو "الشموخ2" والسيف السريع3 بمشاركة بريطانيا، وهدف هذه المناورات رفع القدرة القتالية في الجيشين العُماني والبريطاني.

إنَّ عُمان تؤمن بالقاعدة التي تقول: "إن أردت السلم عليك بالاستعداد للحرب" وهذا أمر حضَّ عليه الخالق عز وجل بقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} الأنفال (60) فعُمان لن تترك أمر الله وتهمل الأخذ بالحيطة والحذر، وهي ترى بأم عينها كيف تنتهك حقوق الناس ضحى، والعالم يتفرج ولا حراك، ففي ذلك تفريط وإفراط في حق الوطن إن حصل، والعُماني الذي جبل على حب الخير والسلام وعدم ظلم الآخر، بنفس القدر لن يترك للآخر أن ينال منه، وذلك نتيجة لجنوح الأمة العُمانية للأمن والسلم والتسامح.

إنَّ القيادة العُمانية وعلى رأسها جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله وأدام عزه - ترفع شعار يد تبني ويد تحمل السلاح، فبغير ذلك لن يعلو بنيان، ولن يصمد كيان في شيوع المكر والحسد والتحاسد، والطبيعة البشرية يسكنها الخير والشر، ولا يأمن الغدر إلا جاهل أو غافل، فإذا كان هذا التنافر قائماً في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها نحن قد ابتعدنا عنه مسافة قدرها 1440 عاماً، ويخال إليّ أننا نعيش زمن القابض على دينه اليوم كالقابض على الجمر، فهذه أمة العرب تسوج وتموج بالحروب والخلافات الداخلية، والأمة الإسلامية تفرقت شيعا وأحزابا يضرب بعضها رقاب بعض، والحق والعدل لا مكان لهما بينهم.

وختاماً نقول لأصحاب أحلام اليقظة، إنَّ شجر السُّمر لا يثمر قطناً، والورد لا يزهر حرملاً، فعودوا إلى صوابكم ذلك أزكى لكم، وإن الذي يُدادغ الضروع الملأى بالحليب، ليس له هم إلا ما طلب، ووضوحه في مطالبه، كان أدعى للانتباه واليقظة، وليس الذهاب إلى الهاوية التي سيكون معها أكل اللحم بعد الحليب، عودوا إلى الرشد وألعنوا الشيطان وطريقه، والله إن الجار العاقل لا يرجو الشر لجواره، والحريق في بيت الجار لابد وشرر ناره سيصل إليه، فقد خلقتم من ليبيا دولة فاشلة، وتسعون اليوم لتجعلوا اليمن كذلك، فماذا بعد؟ أتظنون أنكم ستنامون قريري العين؟! وإن قوتكم العسكرية ستحميكم؟ لا أبداً فهي سلاح حديث صحيح، لكنه مجرد من القوة والفاعلية، لأنَّ السلاح يحتاج إلى رجال، ليس من فئة المجنسين، أو المرتزقة عبدة المال والحياة، أما الشهادة فهي لمن يتفانى لينالها في سبيل عزة وكرامة الوطن. اللهم احفظ عُمان وسلطانها المعظم وشعبها الأبي، من شرور الحاسدين وكيد الكائدين .. اللَّهم آمين يا رب العالمين.