أسبوع التقنية البحريني 2 – 2

 

عبيدلي العبيدلي

ومن أهم المساهمات في يوم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي (MIT)، كانت تلك التي قدمها المسؤول عن استراتيجية التقنية في شركة كلود  فلير (Cloudflare) د. ميشيل نلسون، والتي كما تقول عن نفسها "هي تساهم في التأسيس لـ (انترنت افضل)". حملت المساهمة عنوان "استراتيجية أنترنت المستقبل: المدخل للتفكير بشأنها، والحديث عما هو قادم".

توزعت مادة مساهمة د. نلسون على عدة محاور، كان الأبرز بينها:

التوسع والانتشار اللامحدودين اللذين ستعرفهما الإنترنت في الفترة القريبة القادمة، سواء من القدرة التخزينية التي ستحملها الشبكات التي سترتبط بها الشبكات، أو السرعة التي ستقدم بواسطتها خدماتها، والتي ستصل إلى حوالى 15 تيرا بايت/الثانية، أو عدد مراكز خدمات البيانات (Data Centers) ، التي سيتجاوز عددها الـ 150 مركزا منتشرة في مختلف بقاع العالم.

حجم المعلومات المتاحة على الإنترنت وسرعة تناميها، حيث لم يعد في الإمكان تقديرها بالترابايت (Tera) كما هو المعمول به حاليا ، بل ستضطر مؤسسات الإحصاء إلى استخدام اليوتا بايت (Yotta). وسيرافق ذلك تنامي قدرات وكفاءة محركات البحث، من أمثال غوغل (Google)، كي تتمكن من توفير خدماتها للمستخدم الذكي الباحث عن معلومة محددة، يطلب الحصول عليها في فترة زمنية قياسية، وبالكلفة المنطقية المبررة.

القدرة الفائقة التي ستتمتع بها محركات البحث في قراءة شخصيات المستفيدين منها، من خلال تتبع مساراتهم البحثية التي ستعكس إلى حد بعيد سلوكهم المهني أولا، وتصرفاتهم الشخصية ثانيا، مما يساعد تلك المحركات على تلبية احتياجاتهم من خلال تحليل بياناتهم المهنية والشخصية، والوصول إلى قدرة فائقة على مخاطبتهم باللغة التي يستوعبونها من جانب، وتتناغم مع تلك الاحتياجات من جانب آخر.

ضرورة التوقف عند مجموعة من التساؤلات المفصلية، ذات الأفق الاستراتيجي مثل: هل بات المطلوب المزيد من الشبكات المعقدة ، أم الحواسيب  المتطورة؟ هل بات الإنسان في حاجة إلى زيادة أم تقليص تنظيم ومراقبة تلك الشبكات والحواسيب؟ وأخيرا وليس آخرا ماهي قنوات بناء النموذج الذهني، وهل سيتم من خلال الهواتف، أم البث التلفازي، أم الحواسيب، أم الورق؟

ما جاء في تلك المساهمة الغزيرة في مادتها، بالإضافة إلى مواد أنشطة وفعاليات ومداخلات ذلك اليوم، تساعد المراقب العربي على تلمس التحديات التي تواجه دوائر صنع قرارات خطط التنمية العربية التي لم يعد في الوسع التهرب منها، او تحاشي تداعياتها على جوانب مختلفة من حياة، وسلوك، بل وحتى مستقبل المواطن العربي. ويمكن تلخيص تلك التحديات على هيئة تساؤلات في الصياغات التالية:

نقطة البداية هنا العلاقة مع النفط، بوصف كونه المادة الاستراتيجية العالمية التي بحوزة العرب أكبر حقولها، ويتحكمون، من خلال قدراتهم الإنتاجية سوية مع كمية المخزون من تلك المادة، في الأسواق العالمية. هل سيستمر العرب في مجرد مزودين للعالم بالخامة النفطية دون ان يضيفوا عليها أي شكل من أشكال الإبداع التي يحولها من مجرد سلعة تقليدية، إلى أخرى تحمل في ثناياها قيمة مضافة لا يستطيع أن يضيفها ويطورها بشكل مستمر ومتواصل سوى العرب؟ والحديث عن القيمة المضافة لا يقف عند تحويل تلك المادة الخام إلى مجرد مجموعة متنوعة من السلع البتروكيماوية، بل يتجاوز ذلك إلى آفاق بعيدة بات العلماء العرب بحاجة إلى التفكير فيها بشكل جدي، يرتكز على الإبداع، ويتمتع بالقدرة على الابتكار. المدخل إلى ذلك مخرجات صناعة الفضاء الامريكية التي أغرقت السوق ببضائع تحمل قيما مضافة متنوعة ترتكز أساسا على التطور الذي عرفته صناعة الفضاء عند ازدهارها في منتصف السبعينات بعد رحلة الأمريكان إلى القمر.

لم يعد في وسع العرب، بل وحتى غير العرب، أن ينغلقوا على أنفسهم في عصر الإنترنت القائم أو المقبل. فقد حولت "ثورة الإننترنت" التي تجاوزت الحدود الجغرافية، وحطمت جدران الزمن العالية، فتحول العالم بفضل ذلك إلى أصغر من القرية الصغيرة، مهما بلغ عدد سكانها، الذين يجدون أنفسهم متقاربين جغرافيا، ومتزامنين "نشاطيا". ومن ثم لم يعد في أية أمة أن تدير ظهرها للأمم الأخرى، أو لا تكترث لما ينعمون به أو يعانون منه. فهل العرب مستعدون حضاريا وثقافيا وصناعيا أن يقفوا كي يتفاعلوا إيجابيا كمتأثر ومؤثر في آن واحد بهذه الحالة العالمية الجديدة التي تفرزها ثورة الإنترنت القادمة؟

عندما يتعلق الأمر بخطط التنمية، لم يعد في الوسع نسخ تلك النظريات التقليدية، بما فيها تلك التي فرضت نفسها خلال العشرين سنة الماضية، فسرعة حركة التطور الفكري باتت فلكية، ولم يعد في الوسع الاعتماد على القدرات الذهنية البشرية وحدها، والركون إلى حدة الذكاء الإنسانية فحسب، حيث يجري التحول الآن وبسرعة فائقة نحو "التفكير الروبوتي" (Robotic Thinking)، والذكاء الاصطناعي (Artificial Intellegance)، عند جمع البيانات، وتحليلها، ووضع الخطط المبنية عليها. ورويدا رويدا سيتراجع دور التدخل الإنساني العضلي، وحتى الفكري التقليدي، كي يحل مكانه ذلك الإبداعي المستفيد من التحول المشار له أعلاه. فهل سيتمسك العرب بمقاعدهم التقليدية، أم أنهم سيسارعون إلى  مغادرتها كي ينضموا إلى مجتمع الأمم المبدعة المبتكرة؟

كيفية ولوج مرحلة ما أصبح يعرف بالتحول الرقمي (Digital Transformation)، وهو تحول نوعي لم تعرفه البشرية من قبل، ويفوق في تحولاته الاجتماعية تلك التغييرات التي أفرزتها الثورة الصناعية في المجتمعات الغربية. فالتحول الرقمي ، في صلبه، ثورة حضارية شاملة ما يزال، حتى من بدأ السير في طريقها، لم يشبع مختلف جوانبها. وهي في جوهرها تتمحور حول "ثورة" الاتصالات والمعلومات، وفي القلب منها "انتفاضة" الإنترنت. والمسألة هنا لا تقاس فقط بعدد الحواسيب وقدرتها التحليلية فحسب، ولا مدى انتشار الهواتف الذكية في صفوف المواطنين فقط، فهي بالإضافة إلى كل ذلك تطالب من يدخلها أن يكون قادرا على بناء نظام مشبك يستفيد من تلك الأجهزة والمعدات، ويحولها إلى نظام متكامل يولد التفكير المبدع، وينشط السلوك المبتكر. ونواة هذه المنظومة الغاية في التعقيد، هو النظام التعليمي الذي يزودها بالعقول الخام التي تتفاعل مع تلك المنظومة على نحو خلاق قادراً على الاستفادة منها أولاً وتطويرها ثانيا.