أسبوع التقنية البحريني (1- 2)

 

عبيدلي العبيدلي

للسنة الثانية على التوالي يقيم مجلس التنمية الاقتصادية البحريني (EDB) أسبوعه التقني، لكن بنقلة نوعية مميزة شملت المشاركين، حيث انضمت غرفة تجارة وصناعة البحرين إلى قائمة منظمي الورش، بواحدة غنية غطت جوانب مختلفة من واقع ومستقبل سوق تقنية المعلومات البحرينية، وأتاحت الفرصة أمام عرض منتجات تنافسية مميزة، لبعض الشركات البحرينية العاملة في هذا الميدان. كما أتاح هذا الأسبوع في يومه الأول فرصة ثمينة أمام الحكومة الإلكترونية كي تعرض، كما جاء في الكلمة المكثفة الغنية في محتواها، التي ألقاها الرئيس التنفيذي أمام هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية (IGA) محمد القائد، مجموعة من الإنجازات الرائدة التي حققتها "الهيئة"، خاصة في مجال الحوسبة السحابية، التي توفر خدماتها للمواطن البحريني ونظيره الأجنبي على حد سواء، عبر قنوات كفوءة تعززها بنية تحتية تتمتع بمواصفات الأمان التي يبحث عنها المزوّد بالمعلومات ومن يتلقاها. توقف القائد عند مجموعة من القضايا ذات الطبيعة الاستراتيجية التي تسير ما تقوم به هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية في صناعة تقنية المعلومات والاتصالات وأسواقها، مشددًا على حرص البحرين على بناء نظام بيئي (EcoSystem) تتوفر فيه مقاييس المرونة الكافية التي تبيح له الاستجابة الحثيثة للمتغيّرات التي تشهدها هذه السوق بوتيرتها السريعة، ويتقيّد بمقاييس الأمان التي تعمل بها المنظمات الدولية المشابهة، ويتمتع بالكفاءة العالية التي تُمكنه من توفير أفضل الخدمات، في الوقت المطلوب، وبالكلفة المنطقية الملائمة. سبقت القائد إلى المنصّة، نائب رئيس القطاع العام العالمي في شركة أمازون لخدمات الويب، تيريزا كارلسون، التي افتتحت "قمة أمازون" في البحرين، كإحدى فعاليات هذا الأسبوع. وتوقفت تريزا عند الأسباب التي دعت شركة أمازون كي تتخذ من البحرين "مقرا لأول حوسبة سحابية في منطقة الشرق الأوسط"، مضيفة أنّ ذلك يأتي في سياق استراتيجية تتبناها "أمازون" وتنسجم مع موجة التحولات التي تشهدها سوق تقنية المعلومات العالمية والصناعات المرتبطة بها. ولم تنس تريزا الإشارة إلى مستوى المهارات البشرية البحريني المميز الذي ينعم به النشطون في سوق صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، والتي تؤهل البحرين كي تكون أحد اللاعبين الفاعلين في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في ميدان الحوسبة السحابية.

وزخر ذلك اليوم بمجموعة من المقابلات المتلفزة، التي بثت عبر قنوات التواصل الاجتماعي من بينها التي تحدثت فيها المدير التنفيذي - الاستراتيجيات ودراسات الأسواق في مجلس التنمية الاقتصادية تالا فخرو، مشيرة إلى الوتيرة السريعة التي تستجيب فيها دوائر صنع القرار في البحرين، ومن بينها مجلس التنمية الاقتصادية للتغيرات التي تشهدها سوق المعلومات والاتصالات من أجل تحويل البحرين إلى أحد المراكز المؤثرة في هذه الصناعة على مستوى الشرق الأوسط. وعكست تالا في تلك المقابلة طموح البحرين إلى تطوير هذه الصناعة محليا كي تمارس دورًا حقيقيا في تنويع مصادر الدخل وزيادتها، وتقليص حصة النفط فيها، بالاعتماد المتواصل والمتنامي كميا، والمتطور نوعيا، على الموارد البشرية المحلية الشابة الماهرة والكفوءة أولا، وتقنين التشريعات التي تحتاجها هذه السوق ثانيا، وجذب الاستثمارات العالمية المميزة القادرة على توليد القيمة المضافة المحلية التي تؤهل مملكة البحرين لاحتلال المكانة الطليعية التي تستحقها بين بلدان الشرق الأوسط الرائدة، ثالثا وليس أخيرا.

اليوم الثاني في ذلك الأسبوع كان يوم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي (MIT)، وكان أول المتحدين في جلسته الأولى الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية البحريني خالد الرميحي، الذي كان أيضا متحدثا رئيسا في جلسة "قمة أمازون" في اليوم الأول من هذا الأسبوع التقني.

تمحورت كلمتا الرميحي حول ثلاث  قضايا رئيسة ومحورية: الأولى منها كانت حول رؤية البحرين، كما يكرسها مجلس التنمية الاقتصادية للانتقال التدريجي السلس، لكن بخطوات سريعة متلاحقة للتحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل، إلى اقتصاد معرفي متنوع منتج للمعلومات بوصف كونها سلعة اقتصادية، مشددا على دور التقنية في هذا الانتقال، ليس بوصف كونها عاملا مساعدا، وإنّما عنصرا منتجا، في كل عصب من أعصاب نسيج السياسات الاقتصادية التي تعكف على تطويرها مملكة البحرين.

أمّا الثانية، فتوقفت عند التحديات التي تفرزها هذه الرؤية أمام صناع القرار من أجل توفير الكفاءة البشرية البحرينية الماهرة القادرة ليس على توليد القيمة المضافة التي لا يستغني عنها هذا التحول، بل وأن تكون قادرة على المنافسة في السوق المحليّة، قبل الدوليّة، بعد أن تحولت هذه الأخيرة إلى ما يشبه الوحدة الاقتصادية المتماسكة التي تتنافس فيها الأمم قبل الأفراد. وشدد الرميحي هنا على أنّ البحرين لا تريد أن تصبح لاعبا مستهلكا لمخرجات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات فحسب، وإنّما بوصف كونها منتجا مميزا فيها أيضا. وهذا بدوره يعزز من دور المهارات البشرية التي يتطلبها تحقيق مثل هذا الهدف.

وجاءت الثالثة على هيئة نظرة شمولية تحمل في ثناياها دعوة واضحة للربط بين متطلبات هذه السوق بوتيرتها السريعة من جانب، وحتمية استجابة المؤسسة التعليمية البحرينية الواعية لتلك المتطلبات من جانب آخر، وفق رؤية واضحة المعالم، محددة الاتجاهات التي تحول دون ذوبانها في أمواج تلك السوق المتلاطمة، والشديدة التنافس. وأكّد الرميحي هنا على ضرورة تجاوز تلك المعادلة التقليدية التي تربط بين متطلبات السوق ومخرجات التعليم، إلى أخرى تعتمد الإبداع في صياغة عناصر هذه المعادلة، بما يضمن صقل المواهب البشرية بعد تأهيلها، واستمرارية العلاقة في إطار مبدع أيضا، وربط كل ذلك بحركة السوق العالمية، والتطورات التي تشهدها هذه السوق.

ظاهرة تشد عين المراقب من الحاضرين، وتجبره على التوقف عندها، وهي النسبة العالية التي حظيت بها المشاركة الشبابية في فعاليات ذلك الأسبوع، حيث كانت النسبة مرتفعة، ومن الجنسين أيضا. وهي ظاهرة تستحق التسجيل، حيث أنّها تبث النظرة التفاؤلية في صدور من شاركوا في تلك الفعالية، خاصة أولئك ممن تسيطر على تفكيرهم تلك النظرة السوداوية التي تقف عند حدود الحاضر، ولا تستطيع، وبما تصر على ألا تتجاوزه، نحو المستقبل الذي تمثله تلك النسبة الحيوية الواعدة.