السبب الاقتصادي كمبرر لإنهاء علاقة العمل (2)

 

نايف بن خالد بن حميد القري **

** محامي متخصص في قانون العمل

 

أشرنا في المقال السابق إلى فكرة السبب الاقتصادي كسبب مبرر لإنهاء علاقة العمل وتطرقنا إلى حقيقة عدم وجود نصوص قانونية تحكم هذا الأمر في التشريع العماني، وأنَّ المعيار الذي وضعته المحكمة العليا في هذا الشأن هو معيار غير كافٍ وغير دقيق إذ لابد أن تُحدَد ماهية مفهوم السبب الاقتصادي بشكل دقيق. كذلك يتعين تحديد هل المقصود من السبب الاقتصادي هو اضطرار صاحب العمل إلى تخفيض عدد العمال بشكل عام أم اضطراره إلى غلق أحد مواقع العمل فقط أم تقليص أحد نشاطاته، إذ يُفترض أن يترتب على كل حالة آثار مختلفة فعلى سبيل المثال إذا فرض السبب الاقتصادي على صاحب عمل معين تقليص أحد نشاطاته، هل يجب أن تنحصر عملية التسريح فقط في العمال العاملين بذلك النشاط المراد تقليصه أم لصاحب العمل الحرية في التوسع في عملية اختيار العمال المراد تسريحهم لتشمل عملية الاختيار جميع العاملين لدى صاحب العمل بدون استثناء. كذلك يتعين تحديد الإجراءات الواجب اتباعها من قبل صاحب العمل في حال قرر توفر السبب الاقتصادي من حيث مدة إشعار العمال المشمولين بالقرار على سبيل المثال وتحديد المعيار الذي على أساسة يتم اختيار العمال الذين سيتم تسريحهم، فمن حق العامل الذي تمَّ اختياره للفصل من بين باقي العمال أن يكون هذا الاختيار وفق معيار عادل لا أن يُستغل الوضع لتصفية الحسابات والتخلص من عمال معينين دون وجه حق.

 كذلك يتوجب تحديد ماهية الحقوق التي ستُمنح للعامل الذي تم اختيارة للفصل في هذه الظروف كونه قد تمّ فصله دون أن يكون قد اقترف خطأ يستوجب حرمانه من عمله ومصدر رزقه وأنه لا دخل له في الظروف الاقتصادية المؤدية إلى هذا التسريح. فعلى سبيل المثال من الممكن أن يُقرر مبلغ تعويض معين يحتسب بآلية معينة (يختلف عن التعويض عن الفصل التعسفي)، وأن يُمّكن العامل الذي تم اختياره للفصل من البحث عن عمل آخر خلال فترة الإشعار بأن يُسمح له بالخروج من مكان العمل خلال ساعات العمل إذا أثبت أن لديه مقابلة أو تدريب لوظيفة أخرى، وأن تكون فترة الإشعار طويلة بالقدر الذي يُساعد العامل على ترتيب أوضاعه قبل انقطاع مصدر رزقه، وأن يُعطى الأولوية في التقدم لأي وظيفة جديدة تستحدث لدى صاحب العمل إذا كان مؤهلا لها وغيرها من الحقوق التي من شأنها أن تخفف على العامل آثار إنهاء عقده بهذه الطريقة.

والأهم من ذلك يتوجب تحديد مدى رقابة القضاء على صحة توافر السبب الاقتصادي من عدمه وذلك لضمان أن يكون السبب الاقتصادي المُدعى حقيقياً لا أن يكون مجرد ذريعة يتخذها صاحب العمل للتخلص من العمال دون وجه حق، فيتعين منح القضاء سلطة البحث في مدى جدية وواقعية السبب الاقتصادي المزعوم بالشكل الذي يكفل عدم إساءة استعمال هذا الحق أو التعسف في استعماله بحيث يترتب على عدم صحة الادعاء بوجود السبب الاقتصادي جزاءات معينة، فضلاً عن اعتبار فصل العمال فصلاً تعسفياً مع ما يترتب على ذلك من آثار. كذلك مراقبة القضاء لمدى صحة الإجراءات التي اتبعها صاحب العمل في تحديد العمال المشمولين بالتسريح.

إنَّ التطور المتسارع في التكنولوجيا وفي طبيعة العمل في النشاطات المختلفة وكذلك التغيرات في الوضع الاقتصادي بين الحين والآخر كل هذه الأمور قد تؤدي إلى توافر السبب الاقتصادي لدى أصحاب العمل (كسبب مبرر لإنهاء عقود بعض العمال) بل إنها ظاهرة طبيعية لا يُمكن تجاهلها وهو ما لمسناه فعلاً في السنوات الأخيرة كأثر من آثار الأزمة الاقتصادية العامة حيث تم تسريح أعداد كبيرة من العمال لاسيما في قطاع النفط إلا أن خلو التشريع العماني من الأحكام الخاصة بهذا الجانب قد جعل من عملية معالجة هذه الحالات أمرا صعبا وطريقا غير واضح المعالم وهو ما يجعلنا نناشد المختصين بضرورة الوقوف على هذه الجزئية القانونية وتضمينها في تشريعات العمل بضوابط وأحكام تكفل مصلحة طرفي علاقة العمل، مما سيؤدي حتماً إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار المنشود في سوق العمل بما ينعكس إيجاباً على اقتصاد البلد.

تعليق عبر الفيس بوك