حتمية التنويع الاقتصادي

حاتم الطائي

تابعنا جميعا بشغف واهتمام كبيرين القفزة الكبيرة التي سجلها خام النفط العماني، عندما صعد نحو سبعة دولارات في جلسة تداول واحدة، واقتراب السعر من مستوى 90 دولارا للبرميل، واتسعت دائرة النقاش لتتناول أبعاد ما إذا استمر الخام العماني في مسيرته نحو مستوى المئة دولار، بحسب ما توقعه خبراء اقتصاديون.

ورغم أنّ السعر تراجع قليلا في إغلاق الأسبوع المنصرم إلى مستوى 84.86 دولار، إلا أنّ المناقشات حول تداعيات هذا السعر المرتفع لم تتوقف، وتساءل الكثيرون عن مآلات خطط التنويع الاقتصادي وجهود الحكومة في تعزيز هذا التنويع، ومصير مخرجات مختبرات "تنفيذ"، وغيرها من الأسئلة الحيوية والمهمة.

الأزمة التي بدأت في خريف 2014 وتسببت في تهاوي أسعار النفط عالميا، وبالتالي تراجع الخام العماني، دفعت مؤسسات الدولة إلى الإسراع في تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، وبالفعل تكاتفت الجهود الحكومية من أجل إعداد برنامج لتعزيز التنويع الاقتصادي، وقد حمل مسمى "تنفيذ"، وما لبثت أن تحولت خطة متكاملة الأبعاد لتحقيق هذا التنويع في القطاعات الواعدة التي حددها البرنامج، وساهمت في صياغة توجهاتها مختلف شرائح المجتمع، بدءا من المواطن العادي ووصولا إلى الخبراء والمختصين. وبالفعل تحقق تقدم ملحوظ في عدد من القطاعات المستهدفة، سواء من حيث تنفيذ المشاريع التي اقترحتها المبادرات، أو من حيث إعلان آلية تنفيذها، وهي خطوات باركها الكثيرون.

ورغم أنّ هذه الخطوات لا تزال تواجه تحديات في تطبيقها، إلا أنّ التوقعات بشأنها إيجابية وتشير إلى قدرة السلطنة على تحقيق هذا التنويع الاقتصادي بفضل ما تزخر به من مقومات عديدة. فالقطاع السياحي يتمتع بمميزات مختلفة منها الشواطئ الخلابة الممتدة بطول عمان من شمالها إلى جنوبها، وكذلك المواقع الأثرية الفريدة ومنها ما هو مسجل على قائمة اليونسكو. وكذا الحال بالنسبة للقطاع اللوجستي الواعد، وبصفة خاصة في ظل منظومة المطارات الحديثة مثل مسقط وصلالة والدقم وصحار، علاوة على شبكة الطرق عالية المستوى ومنظومة الموانئ الحديثة، وغيرها من المقومات اللوجستية.. والمجال لا يتسع لذكر القطاعات الأخرى التي تعوّل عليها بلادنا من أجل تعزيز التنويع الاقتصادي.

وفي ظل هذه المعطيات، ينبغي أن نضع نقطة نظام فيما يتعلق بالحديث عن ارتفاع اسعار النفط وعلاقة ذلك بخطط التنويع الاقتصادي.. فقبل كل شيء هذه الخطط تمّ وضعها منذ سنوات، وجاء برنامج تنفيذ كي يعزز من وتيرة إنجازها، الأمر الذي يدفعنا للتأكيد على أنّ أي ارتفاع في أسعار النفط لا يجب أن يكون سببا في فتور همتنا نحو مواصلة هذا المسار الاستراتيجي، والذي يتعين أن تلازمه خطوات على صعيد جهود جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال كي يقوم القطاع الخاص بدوره كاملا، وأن يكون هذا القطاع أكثر فعاليّة في تنفيذ المشروعات بدلا من الاعتماد على الحكومة في شتى قطاعات التنمية.

وبمزيد من التفصيل، فإنّ خطط جذب الاستثمار تسهم بشكل كبير في دعم برنامج التنويع الاقتصادي، ومثالنا على ذلك جهود هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم من أجل جذب المزيد من الاستثمارات، وزيارة وفد الهيئة إلى 3 دول آسيوية، معروف عنها حرصها على الاستثمار في المشاريع اللوجستية، هذا إضافة إلى أنّ السلطنة واحدة من الدول المهمة على خارطة "الحزام والطريق"، وهي المبادرة الصينية التي من شأنها أن تفتح آفاقا أرحب لمجالات التعاون والاستثمار في القطاع اللوجستي.

لذا لا خيار أمامنا سوى المضي قدما في خطط التنويع الاقتصادي، والعمل بأعلى طاقة ممكنة على تقليل الاعتماد على مصادر النفط، حتى ولو وصل سعر البرميل إلى 100 دولار، فلم تعد هذه السلعة المتذبذبة في أسعارها، يعوّل عليها في رفد ميزانية الدولة بالإيرادات التي تساعد على تنفيذ برامج التنمية، بل إنّ المستقبل كله في مشاريع التنويع الاقتصادي، فكم من دولة لا تملك النفط استطاعت أن تحقق قفزات اقتصادية، ولنا في النمور الآسيوية النموذج والمثال..

الحكومة الرشيدة تمكنت من الاستفادة من أزمة أسعار النفط، وأطلقت خطوات ناجعة في تحسين بيئة الأعمال، من أجل تسهيل بدء الأعمال، وأسفر عن ذلك ارتفاع في أعداد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وجلب استثمارات أجنبية، وقد شهدت المؤسسات الدولية بتميز السلطنة في مجال تحسين بيئة الأعمال، واحتلت السلطنة مراتب متقدمة للغاية فيما يتعلق بسهولة بدء الأعمال.. وهذه جهود ينبغي ألا تتوقف بل تحتاج إلى المزيد من التطوير، وأن تواصل الجهات المعنية خططها لتيسير تأسيس المشروعات.

إننا عندما نتحدث عن تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، لا نشير فقط إلى العائد المتحقق على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ومسألة زيادة الإيرادات في الميزانية العامة للدولة، بل نؤكد بوضوح أنّ ذلك من شأنه أن يوفر المزيد من فرص العمل للشباب، سواء لرواد الأعمال الذين يدشنون مشاريعهم الريادية، أو بالنسبة للشباب الباحث عن عمل، في أن يجد فرصة عمل ملائمة بالقطاع الخاص تلبي تطلعاته.

وبالتوازي مع ما سبق، فإنّ العمل على نقل المعارف والتكنولوجيا بناءً على معطيات الثورة الصناعية الرابعة؛ واحد من أبرز العوامل المساعدة على نجاح خطط التنويع الاقتصادي، فلم يعد الحديث عن مواكبة التقنيات الحديثة مجرد دعوة لاقتناء أحدث الأجهزة أو أتمتة الأنظمة في المؤسسات، بل رغبة في امتلاك هذه التكنولوجيا وتحويلها إلى منتج عماني خالص، وأن يملك شبابنا المعارف والعلوم اللازمة التي تؤهلهم في مجالات الروبوت وإنترنت الأشياء وكل ما هو مرتبط بهذه الثورة الرائدة.

ويبقى القول.. إنّ الحرص على التنويع الاقتصادي يكمن في رغبة الحكومة في تحقيق النمو الاقتصادي القائم على مصادر عدة للإيرادات، وليس مصدرا وحيدا، بما يضمن الوفاء بالتزامات التنمية والبناء، وتسديد المديونيات وتحقيق العوائد الكفيلة بضمان حقوق الأجيال المستقبلية، لضمان رخاء وازدهار الوطن.