المعتصم البوسعيدي
في البداية وقبل سبر الموضوع عربياً، لنلقي نظرة سريعة على الاستثمار الغربي في الرياضة، وخاصة في بقعة الضوء الكبيرة المتمثلة في كرة القدم والأندية الأوروبية على وجه التحديد؛ فمنذ أقل من عقدين عاد نادي تشلسي للواجهة المحلية والأوربية على يد الملياردير الروسي أبراموفتتش، وبعدها جاء الدور على نادي مانشستر سيتي باستثمار عربي إماراتي بقيادة الشيخ منصور بن زايد، علاوة على الاستثمار القطري الكبير في باريس سان جيرمان، والذي ــ حسب اعتقاد كثيرين ــ أحد عوامل توهج الكرة الفرنسية وحصولها على كاس العالم في روسيا، إضافة إلى تجارب استثمارية أخرى للعرب لعلَّ أحد روادها هو المصري الشهير الفايد وارتباط اسمه بنادي فولهام الإنجليزي، كما أنّ الدخول الصيني مؤخراً على خط الاستثمار الرياضي خاصة في الدوري الإيطالي قد يمثل نقلةً نوعيةً جديدة ذات أبعاد مختلفة.
التجوال السريع الذي ممرنا به في المقدمة يترك لدينا الانطباع العام حول أهمية الاستثمار الرياضي لكل الأطراف؛ المستثمر من جهة والنادي من جهة أخرى، والأمر ــ قطعاً ــ لم يحدث من قبل الصدفة؛ فهناك البيئة الجاذبة والمغرية على المستوى المالي والجهوي على حد سواء، فالكل يعلم الهالة الإعلامية والجماهيرية التي تحظى بها الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، وعلى هذا نبدأ في طرح السؤال الكبير: أين الاستثمار العربي في الرياضة العربية؟
عربياً؛ ومع كل ما يحدث من حولنا، وفهمنا النظري والمثالي لمعطيات الاستثمار، ووجود الخبراء والقياديين والمديرين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، إلا إننا "محلك سر" نطفو على السطح تاركين الكنوز الثمينة، والحال بعمومه ينطبق على الكثير من المجالات وليس الرياضة فقط، ذلك - حسب وجهة نظري - لانشغالنا في الكيد بين بعضنا البعض وقضيتنا الكبرى حول إننا بتنا دولا مستهلكة لا مصدرة، لم نخلق قاعدة لنطلق منها، وليس لدينا الصبر ولا الحكمة، ونغرق سريعاً في سيل الحداثة السياسية، ونحاول أن نكون الأوحد في القمة دون وعي أن الفضاء يتسع للجميع، والأهم من ذلك ليس لدينا شجاعة الاعتراف بالخطأ، وأحياناً نخطط بدقة لكننا نخطط للذهاب ــ بقصد وبدون قصد ــ للفشل.
لقد غامر في الفترة الأخيرة تركي آل الشيخ المستشار الملكي بالديوان الملكي في المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة الأولمبية العربية السعودية، أقول لقد غامر في محاولة استثمارية بجمهورية مصر العربية وبالتحديد في نادي "بيراميدز" إلا أنّه سرعان ما أنسحب لسبب ظاهره ما قامت به بعض جماهير نادي الأهلي المصري من سب علني في شخصه وعائلته في مباراة الربع النهائي دوري أبطال أفريقيا وهو فعل - بالتأكيد - مرفوض جملة وتفصيلا، إلا أن الأمر لا يقف عند ذلك فقط؛ فالمستشار وغيره تعرضوا لمثل لذلك بشكل أو بآخر وهم يدركون حدوثه، وبالتالي وعند الوقوف على مجموعة الأسباب الحقيقية لعدم نجاح الاستثمار في الأندية العربية سنجد أنفسنا محاطين بأسلاك شائكة من الاعتبارات التاريخية والاجتماعية والسياسية.
يبدو أنّ تركي آل الشيخ اختار التوقيت والمكان الخطأ في دخول مجال الاستثمار بمصر، فهو قبل فترة سابقة دخل في صراع مع نادي الأهلي المصري، وتحدث عن رموز أهلاوية لها مكانة خاصة عند الجماهير، وبعد هذا الصراع قرر الدخول مستثمراً لنادي جديد وبقوة مالية ستنافس مجموعة الأندية المصرية العريقة، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل كان هناك همس ولمز من النادي والذي وصل لطلبه تحكيم أجنبي لمنع الضرر به في تشكيك واضح للنزاهة وتكافؤ الفرص ووجد ردود أفعال متباينة، ثم دخلت على الخط قضية السوبر المصري السعودي، فكانت النتيجة الطبيعة للاحتقان الجماهيري ومن ثم قرار الانسحاب، ونختلف أو نتفق مع الأمر لكن الاستثمار حسب رأيي في الرياضة العربية يجب تحصينه بفهم الواقع العربي بشكل عام، وعد التسرع في بناء الأندية من واجهة واحدة خاصة كرة القدم التي تمثل رأس الحربة والخيط الرفيع للنجاح والفشل، كما أنّ بناء النادي يجب أن يكون من الداخل إلى الخارج؛ بربط مجتمع النادي مع كل الرؤى والأهداف وإدخاله كشريك أصلي لا مجرد وسيلة وقتية، ثم بناء منظومة لا تعتمد على التدخل الحكومي بعد فترة محددة ومعلومة، علاوة على الفهم الصحيح للتجاذبات الإعلامية التي تُعد سلاحا فتاكا لضرب القيم والمبادئ إذا ما تم استغلالها بالشكل السلبي، والعكس صحيح.
محلياً؛ الاستثمار يبدو أشبه بالأحلام الوردية وصناعة الأمل "الوهم" طالما ليس هناك بوادر واضحة وجلية، فالأندية تعيش واقعا مريرا لا تعلم من أين تبدأ في إصلاحه، والغريب أن بعض مجالس إداراتها شخصيات تجارية واستثمارية وإدارية ناجحة، مع ذلك فإنّ العديد من الأندية جمدت نشاطاتها في محاولة ترتيب الأوراق والدخول في استثمارات تكون هي الركيزة للتطوير لكن معظم هذه الاستثمارات - وبصراحة - لا تتحمل نفقة المشاركة في موسم واحد من دورينا حتى بعد سنوات قادمة، لأنّها تقوم على نهج استثماري أحادي، لذلك نحن بحاجة لدخول الشركات الكبرى في خصخصة الأندية، وإيجاد بيئة محفزة توازي هذه الخصخصة، واشتغال إدارات الأندية على الجمعيات العمومية بشفافية ومصداقية، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة في تكاملية الإدارات التي يجب أن تقع تحت رقابة المستثمر الذي لن تهمه الأسماء بقدر ما يهمه العمل الذي ينجح ويزيد استثماره، نحن بحاجة بالفعل أن يمارس النادي دوره المجتمعي ولكن وفق صورة حديثة وبنية متطورة، تساندها وزارة لا تلعب دور الصياد الذي يضع "السمكة" على الفم؛ بل يعلمها كيف "تصطاد"، إضافة إلى اتحادات تلقي عن كاهلها ثوب "الاتكالية" ومحاولة إثبات الذات بمناسبة وبدون مناسبة، وعدم التمييز بين المتعاطين معها خاصة على المستوى الإعلامي، والذي يجب أن يتحرر وأن يقود لا أن يُقاد.