سلبيات العمل المؤسسي وقواعد السطوة (2-2)

د. سعيد الحارثي

كاتب وباحث عماني

لدى بعض أصحاب الحظوة ممن هم على مقربة من أصحاب القرار، نجد أنّ هناك رغبة جامحة في تحقيق ذلك القدر من السطوة التي تكفل لهم كياناً نافذاً وهوية مُستقلة، دون الرضوخ لتعاليم ومبادئ ومواثيق أخلاقيات العمل. وفي النتيجة تصدمنا الكثير من المؤسسات بتفشي منهج الاستجداء كحالة شائعة بين العاملين في تلك المؤسسة، حتى ليقال بملء الفم أنّ "فلانًا هو مفتاح فلان"!، وهذا في اعتقادي من أسوأ قواعد السطوة المنشرة في مؤسساتنا انتشار النار في الهشيم. وهي من الموبقات التي أصبحت تُعطل مؤسسية ومهنية الممارسات في أغلب الوحدات الخدمية بشكل خاص، حتى إنّ ذلك ساهم في مواضع كثيرة جداً في تعطيل مسار استحقاقات المثابرين والمجتهدين من الموظفين الذين هم في الأصل منابع الإنتاج والتجديد والتطوير في تلك المؤسسات. ويا لها من عاصفة تلك التي تضيع معها الحقوق في ظل وجود قوانين راشدة أراد لها قائد نهضة هذا البلد - حفظه الله ورعاه - أن تتحقق في الواقع!. ونخلص إلى أنّ هذا النوع من الراغبين في السطوة يتّبعون قاعدة "اجعل الآخرين يعتمدون عليك وبأيِّ ثمن". وهي تتوالد في المؤسسات في شكل سلسلة مترابطة الحلقات وفق السلالم الوظيفية المتوفرة.

ومن الموبقات التي تفتك بحيادية العمل في مؤسساتنا، وتجعل السطوة للأفراد دون القانون، هو ذلك التعطش إلى تكشير الأنياب من خلال شخصنة الآراء غير المتفقة مع ما يرغب في تمريره الرئيس على نظام عمل المرؤوسين دون الذهاب إلى أسلوب الإقناع والتبرير المنطقي القائم على الحجة. وفي حالة كهذه يذوق فيها المجلود عصا الجلاد في جميع ما يتعلق بالمؤسسة من قرارات وممارسات عمل، بل ويُحرم فيها الممقوتون من أصحاب هذا الذنب! من الترقيات الوظيفية ومهمات العمل وحقهم في التدريب والتطوير بل ويحاسبون على أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم. وهذا بحق ما يؤكده واقع العمل، وسمعنا من الروايات والحكايات من الموظفين ما لا تحمله السطور، ولا تستوعبه العقول، ولا تستسيغه الآذان. وهذه من الممارسات التي لا تستطيع لجان التحقيق والجلسات القانونية في أي مؤسسة الوقوف على إثباتاتها حيث غالباً ما تكون مُمارسات واقعة في إطار صلاحيات ذلك المتنفذ الذي لا يلوي إلا على إيقاع الأذى بالآخرين حفاظاً على سطوته وماء وجهه. وهذا النوع من الراغبين في السطوة يتبعون قاعدة "استخدم نفوذك لإرهاب من هم تحتك". وهذه من الموبقات التي مُنيت بها بعض الإدارات الحكومية من خلال بعض ضعاف الشخصية ومعدومي الإمكانيات الفكرية والمهنية ممن يجثمون على صدور المخلصين من أبناء هذا البلد.

وفي نطاق أوسع، تكون فيه المصلحة العامة هي "كبش الفداء"، نجد أنّ الكثير من المؤسسات تبرر أخطاء مبتكري ومنتهجي قواعد السطوة في بعض تقسيماتها الإدارية، ويتم تجاهل ما يترتب على ذلك حفاظاً على هيبة المؤسسة دون هيبة القانون. والمتقصي بطريقة بحثية لكمّ القضايا في أروقة المحاكم الإدارية سيجد أنّ الرحى تدور في هذا الفضاء، وأنّ أصحاب السطوة أصبحوا يُرهقون قضاتنا، ويسفّهون شريعة القانون، "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا"، والله المستعان.

 

تعليق عبر الفيس بوك