عُمان وضريبة القيمة المضافة

 

محمد أنور خميس اللواتي

عاشت الحكومات في الدول النفطية معتمدة على النفط لتمويل مصاريفها. ولكن مع انخفاض أسعار النفط، باتت تلك الإيرادات النفطية عاجزة عن تمويل المصاريف الحكومية. واضطرت تلك الحكومات للجوء إلى الاقتراض وبيع الأصول وفرض الضرائب لتغطية العجوزات (الفارق بين الدخل والنفقات). وتلعب الضرائب دورًا اجتماعيا هامًا في تحقيق العدالة الاجتماعية عبر توزيع الدخل بين الطبقات من خلال توظيف الإيرادات الضريبية لتمويل الخدمات بكلف منخفضة أو حتى مجانًا.

 

ضريبة القيمة المضافة هي واحدة من أنواع الضرائب التي تفرضها الحكومات. وهي ضريبة عامة، مرحلية، غير مباشرة على السلع، تفرض عند الاستهلاك. فهي عامة حيث تفرض على معظم السلع والخدمات، ومرحلية حيث يتم فرضها في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، وغير مباشرة حيث لا يدفعها المستهلك مباشرة بل عن طريق التاجر. تطبق ضريبة القيمة المضافة اليوم في أكثر من 160 دولة، وقررت دول مجلس التعاون -بما فيها السلطنة- البدء في تطبيقها بنسبة 5%، وتم تطبيقها في الإمارات والسعودية ابتداء من 2018م.

تكمن أهمية ضريبة القيمة المضافة بأنها ضريبة على الاستهلاك، وليس الدخل، وبالتالي هي تشجع على الادخار والاستثمار، وترشد الاستهلاك في ظل اقتصاد مستهلك مثل الاقتصاد العماني. كما إنّ ضريبة القيمة المضافة تعمل بشكل عام على تعزيز مبادئ التوزيع العادل للثروة وتحقيق الأمن الاجتماعي. إنّ الفئات الأكثر استهلاكًا، وبالتالي الأكثر إسهاما في ضريبة القيمة المضافة، هم أصحاب الدخل العالي. ويمكن أن تساهم المبالغ المحصلة من هذه الضريبة في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية التي تفيد متوسطي وقليلي الدخل، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. وبالتالي هي تعمل على إعادة توزيع الثروة على الفئات الأكثر استحقاقًا.

في المقابل، تعمل الضرائب بشكل عام على زيادة الأسعار. إلا إن فرض ضريبة القيمة المضافة في السلطنة لن يعمل على نسب تضخم (زيادة أسعار) عالية، حيث إنّ هناك الكثير من الأنظمة الضريبية العشوائية المطبقة والتي ستزاح أو سيتم دمجها مع النظام الجديد المتكامل، كالجمارك والرسوم البلدية وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر نسبة 5% من أدنى النسب في العالم. رغم ذلك فإنّ زيادة الأسعار لها تبعات اجتماعية على فئات المجتمع خصوصًا الأقل دخلاً. لذا فمن الواجب دراسة التبعات وتوفير شبكات دعم اجتماعي. كما إن أحد المآخذ على ضريبة القيمة المضافة أنّها تطبق بنفس النسبة على جميع الفئات، إلا إن الفئات الأكثر استهلاكا -والتي بالعادة هي الأكثر دخلا- هم الأكثر اسهاما في هذا الوعاء الضريبي.

تطبيق ضريبة القيمة المضافة بحاجة إلى وجود جهاز ضريبي متطور مع كفاءات عالية، ودراسة شاملة للآثار المترتبة على تطبيقها. كما إنّ تفاصيل قانون ضريبة القيمة المضافة لم يعلن بعد، وبالتالي لا بد من التعجيل في إعلان تفاصيله من إعفاءات واستثناءات وعقوبات، وإلغاء بعض الأوعية الضريبية الأخرى مثل بعض ضرائب البلدية ورسوم الجمارك وغيرها لمنع أي ازدواج ضريبي. ويُمَّكن ذلك مؤسسات المجتمع المدني من دراسة أبعاده واحتواء آثاره، ويسمح للمؤسسات التجارية بإجراء التغييرات اللازمة لأنظمتها الحالية.

في ظل انتهاء عصر النفط، لا يمكن التعويل على بقاء النفط المغذي الحصري لميزانية السلطنة، ولا بد للاستعداد للمستقبل عن طريق بناء اقتصاد قوي متنوع اقتصاديًا يضمن جودة الخدمات الحكومية الأساسية من صحة وتعليم وغيرها. لذا لا بد من التعجيل في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتكمن الخطوات اللاحقة في فرض أنواع أخرى من الضرائب تواكب الواقع العماني بعضها أكثر تعقيدًا في التطبيق وفي النتائج. فهناك مثلًا ضريبة الدخل التي تفرض على إجمالي دخل الأفراد (تطبق السلطنة ضريبة الدخل على أرباح الشركات). أيضا هناك ضريبة الأراضي التي تعمل على منع احتكار الأراضي من قبل أي فئة، والحث على تنمية الأراضي واستغلالها أو التخلص منها، وبالتالي خلق طلب حقيقي بدلًا من استغلال قطاع الإسكان الحيوي في المضاربات لتحقيق عوائد لأصحاب رؤوس الأموال على حساب المواطن المحتاج للسكن. كما إنّ هناك الضريبة الانتقائية التي تعمل على الحد من استهلاك بعض السلع.

إنّ النظرة السائدة على الضرائب بأنّها تنهك الفقير، ولا تؤثر على الغني هي نظرة قاصرة. إنّ الضرائب إن طبقت بطريقة سليمة وعادلة وشفافة ستعمل على تحقيق العدالة، وإعادة توزيع الثروة. إنّ الأكثر تضررًا من الضرائب هم الفئات الأكثر دخلًا لأنهم الأكثر إسهامًا في دفع الضرائب والأقل استفادة منها. لتسهيل استيعاب الفكرة، تخيل -عزيزي القارئ- بأنّ هناك سلة أموال يساهم الجميع فيها بنسب مختلفة، فيساهم الأثرياء بنسب عالية، بينما يساهم الأقل حظًا بنسب أقل. بعدها يتم صرف الأموال من السلة على الخدمات حيث يحصل متوسطو الدخل والأقل دخلا على رسوم العلاج في المستشفيات العامة ورسوم المدارس العامة وغيرها، بينما يحصل ميسورو الحال على خدمات أقل بكثير حيث إنّهم غير معنيين بالمستشفيات والمدارس العامة، حيث يتوجهون للعلاج في مستشفيات خاصة ويذهب أبناؤهم إلى مدارس خاصة. فيا ترى من هو المستفيد الأكبر؟!

تحدث البعض عن عدم إمكانية فرض ضرائب على المواطنين من دون تقديم أي حلول عملية بديلة. إنّ هذه التصريحات -إن أخذناها بحسن الظن- تفتقر إلى تقديم معالجات متكاملة، ويسبح أصحابها في وهم وجود النفط إلى الأبد. إنّ إثقال موازنة الدولة بالقروض هي عملية اغتيال غير مقصودة للبلد، وإدخاله في أتون مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية سنتحمل نتائجها خلال السنوات القادمة. كما إنّ الحلول البديلة مثل تخفيض سعر العملة هي أكثر تعقيدًا. لذا فإنّ فرض الضرائب بنسب معتدلة، مع مراعاة توفير العيش الكريم للمواطن هو أولوية في المرحلة الراهنة بشرط مراعاة ما سيأتي.

 

من المؤكد أنّ هناك اختلالات هيكلية عميقة تعانيها مفاصل الوحدات الحكومية بحاجة إلى تغييرات جذرية في الأنظمة والقوانين عبر اتخاذ قرارات جريئة أصبحنا في أمس الحاجة لها. إنّ هذا الخلل لا يمكن حله عبر ترقيعات من هنا وهناك. وأحد من أبرز تلك التغييرات المؤملة هي قوانين متصلة ببيئة العمل الحكومي، وغياب الإنتاجية، وزيادة البيروقراطية، وغياب مبادئ الثواب والعقاب، وانتشار الفساد، وغياب الإدارة الرشيدة لموارد الدولة وثرواتها. مع فرض الضرائب يجب أيضًا تحسين جودة الخدمات، وزيادة الشفافية في المصاريف، والعمل على إصلاحات سياسية عميقة، ورفع قاعدة المشاركة السياسية، عملاً على القاعدة المعروفة "لا ضرائب من غير تمثيل".

إننا مدعوون جميعًا للتفكير في مستقبل بلدنا عبر اتخاذ قرارات جريئة، والتوقف حالًا عن مقارنة وضعنا الحالي بالسنوات السمان التي مرت، ورسم خطوط المرحلة القادمة بعيدًا عن أسعار النفط، وبعيدًا عن سياسات الاقتراض حتى لا يصل حالنا بحال الدول "المفلسة" لا قدر الله.

كاتب في المجال الاقتصادي

mohdlawati@gmail.com

 

 

تعليق عبر الفيس بوك