ضبط الإنفاق

 

سليمان بن شنين الخاطري

          

ضبط الإنفاق أو ترشيد الاستهلاك أياً ما يكُن المسمى فالمعنى واحد ويقصد به الاعتدال والوسطية في جوانب الإنفاق المختلفة لحياة الفرد والجماعات والمؤسسات والذي يعرّفه خبراء الاقتصاد بالاستغلال الأمثل والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة من خلال اعتماد تقنيات تحقق التوازن دون إلحاق الضرر بالإنتاجية أو بالجوانب الأساسية للأفراد، لما لهذه الإجراءات من ضرورة ملحة لديمومة التنمية على مستوى الفرد والمؤسسات، كما أنها استجابة لأوامر الله تعالى والذي يدعو إلى الاعتدال في الإنفاق حيث يقول عز من قائل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قواما) .

وفي الجانب الآخر لم تعد فلسفة الترشيد خياراً في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية والتي تنتج في أحيانٍ كثيرة لدواعٍ تتعلق بالعرض والطلب وفي أحيانٍ أخرى لدواعٍ تتعلق بالاحتكار وتضارب مصالح لوبيات الاقتصاد العالمي وأياً ما تكن هذه الأسباب فلا يوجد خيار أمام المجتمعات والحكومات ذات الاقتصاد الريعي لمُجابهة تلك التحديات إلا بصدور عارية لقلة الحيلة وشح الموارد ومحدودية الخيارات، وعليه ينبغي على المجتمعات والمؤسسات العامة والخاصة العمل على تحقيق رؤية سديدة لتغيير بوصلة نمط الاستهلاك المُتزايد وضبط هوى النفس من التلذذ بأصناف الكماليات غير الضرورية بضوابط الشرع الداعي إلى الاعتدال والوسطية بغية تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ضبط الإنفاق أو ترشيد الاستهلاك ينبغي أن يشمل جميع نواحي الحياة على مستوى الفرد والمؤسسات الخاصة والعامة، كما ينبغي أن يكون منهج حياة وذا رؤية واضحة يتحقق من خلالها التوازن الاقتصادي للفرد والمؤسسات، يقابله السعي لخلق بيئة جاذبة للاستثمار تحقق جدوى التنويع الاقتصادي في المجالات التي تملك البلاد بها مقومات اقتصادية بمختلف أنواعها السياحية والصناعية وقطاع اللوجستيات وغيرها من المجالات والتي يعول عليها أن تنقل البلاد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المتجدد والمعتمد اعتماداً كلياً على ذاته.

ترشيد الاستهلاك ينبغي أن يكون معلناً وواضح الأهداف والمعالم قبل الشروع في تنفيذه حتى يحقق الرسالة المرجوة ومن بين الأهداف العامة لترشيد الاستهلاك إما أن يكون لإطالة عمر ثروة ناضبة، كما هو الحال في الثروات الطبيعية كالنفط والمياه والمعادن والأسماك وغيرها من الثروات الطبيعية أو لرفع كفاءة استخدام طاقة أو عوائد مالية متوفرة بشكل محدود كما هو الحال في مصادر الطاقة والمواد الاستهلاكية والعوائد المالية، وأياً ما تكن طبيعة هذه الموارد فلابد من إستراتيجية شاملة تحمل على عاتقها وضع الأمور في نصابها وينبغي أن تتضافر الجهود الشعبية والرسمية للحد من تبديد الثروات كل من موقعه وحسب ما يتوفر لديه من إمكانات فالفرد يستطيع المساهمة في ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه والوقود والمواد الاستهلاكية ومصروفاته المالية وذلك من خلال بعض التدابير والإجراءات وبالاستغناء عن الجوانب التكميلية وإيجاد البدائل التي تحقق الأهداف نفسها أو الحد الأدنى من وظائفها، كما على المؤسسات العامة والخاصة القيام بدورها المنشود للمحافظة على الموارد الطبيعية والبشرية وذلك بالقضاء على كافة الأسباب التي تؤدي إلى استنزاف الثروات وتبديد الطاقات والموارد المتوفرة والعمل على رفع كفاءة الإنفاق وغلق المنافذ التي قد تفتح أبواب الفساد وسن القوانين والأنظمة المحكمة والرادعة والتي تعمل على المحافظة على تلك الموارد والثروات وغيرها من الإجراءات والتي يعول عليها لضبط الإنفاق خارج هوى النفس وتتماشى مع الطبيعة السوية للبشر مستلهمة من توجيهات الشرع الحكيم والقوانين ذات الصلة.

تعليق عبر الفيس بوك