أبو العلاء المعري في مقر "الأولمبية"

 

وليد الخفيف

يقول غازي القصيبي في مقدمة كتابه "حياة في الإدارة": "إن محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون فكرًا قديمًا مَضْيعة للوقت والجهد والمال". وقال رينيه ديكارت: "إن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر". وأصاب أبو العلاء المعري عندما قال "من الصعب أن تتعايش مع أشخاص يرون أنفسهم دائما على صواب، ويكونون دائما هم الخَصْم والحكم". أما عن دعوات الوسط الرياضي حول مُحَاسبة المسؤول عن المشاركة البائسة في "أسياد آسيا" بجاكرتا، فرد عليهم الكاتب المصري الراحل جلال عامر قائلا: "لا توجد محاسبة إلا في كلية التجارة فقط".

فرُبَّما وضع القصيبي يده على أسباب تراجعنا، ووصف ديكارت بدقة مساعي "الأولمبية" والاتحادات الرياضية الرامية للتهرب من المسؤولية، أما أبو العلاء المعري فكان دقيقا في وصف وضع الأولمبية العمانية التي نصَّبت نفسها الخصم والحكم في الأزمة الراهنة، ومن العالم الآخر حسم الكاتب الساخر جلال عامر أمر المحاسبة التي ينتظرها الكثيرون، فلم يشهد التاريخ الرياضي العربي محاسبة أصحاب الكوارث.

فالمشهد الغائمة أرجاؤه بات كغابة أسوارها عالية، وسياجها دانية، يحيط الصمت بأركانها، ويعلو أصحاب المصالح على أكتافها، أما الوهم فمادة خام رخيصة، روج لها تجار من أصحاب النفوس المريضة، والثمن دَفعه جُمهور بسيط، بنوبة ألم وحسرة موجعة، حتى بات مقصده التحري في كل أرجاء السلطنة الواسعة، يتساءل في كل شرع وحارة عن المسؤول وراء تبدد أحلام كانت ممكنة، لتنتهي الحكاية بعزاء واجب؛ فالصمت سيد الموقف لمواجهة النكسات، والهروب والتنصل من المسؤولية حل إستراتيجي للتمسك بمقعد يشع ببريق الصلاحيات والامتيازات.

الصمت كان ردًّا بليغا من الأولمبية والاتحادات الرياضية على الدعوات التي تعالت صيحاتها مطالبة بالكشف عن اسم المسؤول؛ فمحاولات الجميع تواصلت بمسعى الهروب، أملا أن يمر الأمر كما مر سابقه، بيد أن الأمواج هذه المرة كانت عاتية، فكانت أمنيات المنتخبات الثمانية في بيت شعر مفاده: "وكأي من بحر يموج في صمت.. ورياح تهب في وقار، ولكنَّ الموج الحالي لم يكن صامتا، والرياح تحولت لعاصفة هزت أروقة الغبرة بأسرها".

البعض استدعى مسرحية قديمة تعود لعصر الفنان المصري "علي الكسار"، فاستلهم من تاريخها إرجاع المسؤولية لما أسموه الواقع الرياضي، فيا له من مُسمَّى خفي يظهر عند النكسات ويختفي عن النجاحات.

وطالعتنا الصحف بمطالبة الأولمبية العمانية للاتحادات الرياضية بتقديم تقرير مفصل عن المشاركة، لتتم مناقشته في اجتماع مجلس الإدارة القادم، وطالبت بشكل عاجل موافاتهم بتقرير شامل وواف يتضمن البيانات الفنية التي تعكس واقع الإعداد، ووضع توقعاتهم السابقة التي تم مناقشتها مع اللجنة، وحددت مدة عشرة أيام لتقديم التقرير الذي سيتم رفعه لوزارة الشؤون الرياضية بعد ذلك.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك نص في النظام الأساسي للجنة الأولمبية العمانية يُجيز لها تقييم عمل الاتحادات الرياضية؟ وإذا كان هناك من بند، هل من عقوبة للمقصر؟ ومن هي اللجان التنفيذية لتوقيع العقوبات حال صدورها؟ وإذا كان النظام الأساسي يُجيز ذلك، فهل تتحملون إخفاق السنوات الماضية جراء تقييم أفضى إلى الصفر في ثلاث بطولات آسيوية، وسجلا يخلو من أي ميدالية أولمبية؟!

لا يتضمن النظام الأساسي نصا صريحا يجيز للأولمبية تقييم عمل الاتحادات الرياضية، فهذا ما أكده مسؤولوها في المؤتمر الصحفي الذي سبق المشاركة الآسيوية، وفي مناسبات عدة، أنها جهة تنسيق فقط وأن العمل الفني مسؤولية الاتحادات الرياضية، وأن التقييم مسؤولية الجمعيات العمومية، وأن لجنة التخطيط والمتابعة ذات اللائحة التي لا ترتقي لحد البند الفاعل في النظام الاساسي قد شُكِّلت من أجل وضع معايير تضمن جدوى مشاركة المنتخبات للمنافسة أو لإعداد بطل قادم يحمل جين التطور.

وقالوا إن الجمعيات العمومية هي صاحبة الحق الوحيد في مساءلة مجالس الإدارات! فهي من تمنحهم الثقة وهي وحدها من تمتلك امتياز سحبها!، ولكن الوضع الحالي يبدو مقلوبا، فمجلس الأولمبية هو من وضع العمومية محل التساؤل! وطلب من عدد من أعضائها تبرير أسباب الإخفاق في المشاركة البائسة! فلو كان الوضع صحيحا ومتفقا مع النظام الأساسي لطالبتْ العمومية مجلس الإدارة لعقد جلسة طارئة لسؤاله عن أسباب الإخفاق، وطالبته بوضع الحلول التي تحول دون تكرار المشهد، ويخول لها القانون في نهاية الجلسة الاقتناع برد المجلس أو سحب الثقة وفق الآلية المنصوص عليها في النظام الأساسي؛ فلا عجب إذا دخل القاضي قفص الاتهام، وبدأ المشكو في حقه بمحاسبته تمهيدا لعقابه!

ومن العجائب أن تكون الخصم والحكم في آن واحد؛ فمجلس إدارة اللجنة الاولمبية سيسأل الاتحادات التي يتشكَّل منها مجلسه: سيسأل أمين سر الجنة رئيس اتحاد السباحة عن سبب خروج السباحين الاثنين من أول تصفية، علما بأن أمين السر ورئيس اتحاد السباحة شخصية واحدة، وكذلك الحال لأمين الصندوق الذي سيسأل رئيس اتحاد التنس عن سبب العثرة، وكذلك بقية المجلس الذي يتشكل من الاتحادات عدا الرئيس ونائبه؛ لذا فلينتظر الوسط نصًّا قريبا مفاده الآتي: "لقد اجتمعنا مع أنفسنا، وقررنا براءة أنفسنا، فالواقع الرياضي هو السبب، أما نحن فلم يدخر أحدنا جهدا في مسعينا الحثيثة لتحقيق أمنياتكم المشروعة، ونفيدكم بأننا باقون بفضل ثقتكم الغالية في مناصبنا التطوعية".

ودعوني هنا أستلهم من دُرر الكلام لأحد مسؤولي الاتحادات، عندما قال في حديث إعلامي: "فإن لم نترشح فمن يترشح؟"!!

أيضًا لا يزال في طلب الأولمبية للاتحادات الكثير من الجدل؛ إذ أعلنت عزمها رفع التقرير الوارد لها إلى وزارة الشؤون الرياضية، فهل من حق الوزارة التدخل في الشأن التنافسي للاتحادات الرياضية؟ أم الخلط سيد الموقف؟ وهل سيطلع مركز الدراسات في الوزارة على هذه التقارير لتقديم المشورة الفنية؟ فالوزارة دورها يتمثل في فحص التقرير المالي والإداري للمشاركة مع كل الاتحادات الرياضية والأولمبية، فهل كانت الوزارة مسؤولة عن سفر البعثة بدون طبيب لرفع الأثقال؟! وهل هي المسؤولة عن اتخاذ التدابير الضامنة لأمن وسلامة جميع أعضاء البعثة؟!

فإذا كانت الأنظمة الأساسية لا تُحدِّد المسوؤل بدقة بعد الإخفاق، فثق أن بها عوارًا يحتاج إلى تعديل! وإذا بحثت عن الحل، فلا مناص سوى إعلان قانون جديد للرياضة العُمانية، يجعل من الأولمبية العمانية لجنة مستقلة تمنحها كل الصلاحيات الممكنة لكي تكون العقل المفكِّر لإدارة الشأن التنافسي، وأن تنضوي الاتحادات الرياضية كلها تحت مظلته، شريطة أن يكون مجلسها مستقلًا تمامًا؛ فلا ازدواجية في المناصب ولا بنود مُفصلة لخدمة شخص بعينه، على أن تحدد المدة لدورتين فقط، كما يحدد بدقة شروطا واقعية للترشح لعضوية أي مؤسسة رياضية، فصندوق أندية الوفاق أتى لنا "الصِّفر الكبير"؛ فلا تسأل عن إنجاز قبل أن تختبر دقة التشريع المنظم لمكونات المنظومة؛ فثوب الديمقراطية المطلقة فضفاض ونحتاج لسنوات لملئه.

الانكسارات لم تنته في جاكرتا، وستطل برأسها في طوكيو ولا يلوح في الأفق جديد يُذكر طالما بقي الوضع على ما هو عليه. وأختم بما قاله المتنبي: "يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي.. فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ".