تفاقم أعداد الباحثين عن عمل.. من المسؤول؟!

 

حمود الطوقي

لا يختلفُ اثنان على أنَّ مشكلة الباحثين عن عمل تتفاقم عامًا بعد عام، وستظل تتفاقم مادام هناك نمو في المخرجات التعليمية، وغياب خطة مدروسة للقضاء على هذه المشكلة التي باتتْ تُشكل عبئا حقيقيا على المستوين: الحكومي، والقطاع الخاص.

مُشكلة الباحثين عن عمل تتصدر المشهد مع بداية كل عام، وتتفاقم مع منتصف العام، وتلقي بظلالها على كل بيت، حسب مستوى التحصيل العلمي لأفراد الأسرة.

هذا الملف ربما يكُون الأكثر تداولا ونقاشا على مدار العقود الثلاث الماضية، وعُقدت من أجله العديد من الندوات والجلسات الحوارية، وصدرت أوامر عليا بتوظيف والإسراع بوضع حلول جذرية لتضييق الفجوة، وطرح رؤى حقيقية حول حجم المشكلة.

ما جعلني أتناول هذا الموضوع من جديد أنَّ هناك منشورًا يتناول حجم الباحثين عن العمل على مستوى الدول العربية -أي "البطالة"- وذكر أن بلادنا تعاني من ارتفاع نسبة البطالة مقارنة ببعض الدول العربية، رغم قناعتي بأنَّ النسبة غير عادلة الآن، لكن الهم المشترك أن هناك فعلا طابورا طويلا من الباحثين عن عمل، ونحن هنا في عُمان لا نرغب في إطلاق مصطلح البطالة على هذه الفئة؛ كون لدينا قناعة بأنه في ظل وجود عمالة وافدة فإنَّ فرصة الإحلال مُواتية، ولابد من إعطاء الفرصة للكوادر الوطنية لأن تحل محل الوافد؛ سواء طالت المدة أم قصرت.

هذا هو الفكر الذي نُؤمن به، ولكن في الحقيقة أنَّ الأمر اكثر تأزما في حالة ارتفاع وتزايد الأعداد عاما بعد عام. هناك العديد من الأسئلة الكثيرة العالقة في حنجرة الأحداث حول موضوع الباحثين عن العمل، هُنا لابد أن أطرح حقيقة مطلب كل أسرة عمانية، وهي أن ترى أبناءها وبناتها بعد أن أكملوا وأكملن المرحلة الدراسية أن يكون العمل هو ملاذهم، وهذه هي إحدى الأمنيات الكبرى لكل بيت ولكل أسرة عمانية.

الطموح والأمنيات العُمانية محدودة ومحصورة في وجود الوظيفة المناسبة، وهذا الطلب مشروع، بل هو حق وواجب يجب على الحكومة والقطاع الخاص تلبيته.

إذن، أين تكمن المشكلة؟ ولماذا تتفاقم هذه الظاهرة؟ وتعجز الحكومة عن إعطاء وصفة لهذه المشكلة، أو الحلول الجذرية لها قبل أن تتفاقم وتصبح بهذا الحجم.

الواقع الذي نراه يقول أن الحكومة حوّلت هذا الملف إلى شركات القطاع الخاص، لتقوم بدورها في دفع عجلة التوظيف، وهذه الشركات بما فيها الشركات الحكومية والكبرى والعائلية، وحتى الصغيرة والمتوسطة، لم تستطيع أن تصل بنسبة التعمين إلى 12%، وترى أن التوظيف مقرون بحجم السوق، وأن سوقنا العُماني صغير ولا يحتمل الرواتب الكبيرة التي يطلبها الشاب العُماني، حيث حددت الحكومة الحد الأدنى للأجر الذي يتلقاه العُماني مهما كان تحصيله العلمي. كما أن هذه الشركات بمختلف أحجامها تتنصل عن مسؤوليتها مدعية أن الموظف العُماني غير مستقر في العمل، وإذا فرض عليها العُماني فإنها تستقبله كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، وليس من ضمن أهدافها الإستراتيجية؛ كون القطاع الخاص همه أولا وأخيرا تحقيق الأرباح.

القطاع الخاص يطرح أمرا مغايرا لكي يتهرب من توظيف الكوادر الوطنية، ويتحدث بصوت مرتفع أن المناقصات الحكومية التي تُسند له تمر بأزمات تحصيل، فكيف له -أي القطاع الخاص- أن يتحمل الرواتب المرتفعة التي بالكاد تستطيع أن تفي بالتزاماته، في حين أن العديد من الشركات تقوم بإغلاق أبوابها بسبب الأوضاع الاقتصادية والانكماش الاقتصادي الذي أصبح يهدد معظم الشركات؛ فنرى المحلات في المجمعات التجارية تغلق، وغلق محل في مجمع تجاري يدل على أنَّ هناك كسادا يلوح في الأفق.

رغم هذه التحديات التي تُواجه الحكومة والقطاع الخاص -على حدٍّ سواء- في ملف الباحثين عن العمل، أرى أن لا يترك هذا الملف يتفاقم، فمن المهم جدا أن تطرح له الحلول المناسبة، وأقولها بكل صراحة إذا لم توجد الحلول فإن الأضرار لن تستثني أحدا، الجميع سينزلق في دوامة هذه المشكلة، فعدم قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها، بغرض توفير الوظيفة المناسبة سيُوقع الحكومة في مأزق يتمثل في ارتفاع عدد الباحثين عن عمل، في حين أن الخريج الجديد سينضم إلى المعاناة مع شقيقه الأسبق في بيئة العمل ذاتها!

ما الحل إذن؟

نعتقد أن الحل هو الوقوف فعليا على حجم المشكلة، وإيجاد حلول بديلة، والسعي لدعم وحماية القطاع الخاص، بموجب أنه أحد روافد الاقتصاد المحلي.

كلنا نعلم أن هناك ممارسات تسد الباب على العمانيين والعمانيات في الإقدام على العمل الحر ودخول عالم ريادة الأعمال، وهي التجارة المستترة، التي يقودها التجار الأجانب، وما زالت تخيم على الأوضاع وتقلص من حجم التنافسية، لتسيطر على التجارة المحلية بطرق غير نزيهة، وتسبب نخرا عميقا في جسد الاقتصاد الوطني.. اذا تمكنا من وضع اليد القوية على التجارة المستترة ستنحل المشكلة، وسيجد العُماني ضالته في الوظيفة.