العلاقات العُمانية الصينية

حبيب بن مرهون الهادي

تعود العلاقات العمانية-الصينية بجذورها التاريخية إلى عُصُور ما قبل الميلاد؛ حيث شهدتْ تلك العلاقات رسوخًا عبر الزمان من خلال التبادل التجاري النشط، والذي كانت تنقله السفن العمانية ذهابا وإيابا بين موانئ عُمان المزدهرة في مختلف العصور التاريخية مع موانئ الصين، فيما كانت منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا مَعبرا ومحطة ترانزيت لهذه السفن التي تمخر عُباب البحار والمحيطات بأشرعتها المثلثة، وهي ترفرف مع هبات الرياح الموسمية التي عهدها تُجار وملَّاحي عُمان عبر الزمان، وسواريها العالية التي تناطح الجوزاء في همم بحارتها، وقد أعادت سفينة صحار (1980م) وسفينة جوهرة مسقط (2010م) إلى الأذهان تلك الأمجاد العمانية التي كانت تُغامر بحثا عن الرزق والاتصال بشعوب الأرض، حاملين رايات الإسلام السمحة، وقيم الرحمة؛ من خلال معاملاتهم التجارية.

فالتقت الحضارة العمانية بالحضارة الصينية في عرض البحر الذي كان قد خبره العمانيون منذ القدم، فكان وسيلة من وسائل اللقاء الذي جمع إحدى حضارات الشرق الأدنى (عُمان) بحضارة الشرق الأقصى (الصين)، ومما أسهم في هذا التعاون الخبرات الحضارية التي تميز بها العمانيون والصينيون عبر الزمن؛ حيث عُرف عن الشعبين جنوحهما للسلام والوئام والتعايش وحسن التعامل مع الآخر، لذلك مكنت هذه القيم الشعبين العماني والصيني من بناء جسور للتعاون وآفاق رحبة من العلاقات الدبلوماسية وفضاء واسع من التواصل والتفاعل؛ ولا تزال الصين تتذكر تُجار عُمان منذ القدم، وتذكُر حولياتها المسطرة الملاح العماني أبو عبيدة الصغير (القرن 2 هـ) والشيخ عبدالله الصحاري (القرن 5 هـ) وغيرهم من الملاحين، وتتذكر عُمان رحلة الملاح الصيني المسلم "تشنغ خه" في أسطول عظيم، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي؛ حيث زار بأسطوله المكوَّن من عشرات السفن عددًا من الموانئ العمانية توطيدا للعلاقات الحضارية بين الشعبين، والتي نجد اليوم صداها يتكرر؛ حيث تتجدد تلك العلاقات وتزهر برؤية حكيمة وفكر ملهم بناه جلالة السلطان المعظم ليكون نبراسا تسير عليه السياسة العمانية جيلا بعد جيل في علاقاتها مع مختلف دول العالم.

وقد سطَّر المؤرخون المسلمون تلك العلاقات في مخطوطاتهم، ناعتين ميناء صحار بأنه دهليز الصين وخزانة الشرق، كما أشار قبل ذلك المؤرخون اليونان والرومان إلى أهمية ميناء سمهرم (القرن 4 ق.م) لتصدير منتجات ظفار من اللبان وغيرها من العطريات؛ حيث سُمي الطريق من موانئ ظفار إلى الصين بطريق اللبان، وسُمي شاطئ ظفار بشاطئ العطور، واليوم نرى في ميناء الدقم اسما جديدا يُضاف لقائمة الموانئ العمانية التي كانت في تواصل مع موانئ الصين كميناء كانتون وميناء قوانتشو، فبعد موانئ جلفار ودبا وصحار ومسقط وقلهات وصور ومرباط وسمهرم وريسوت، يبرز في الواجهة ميناء الدقم الذي يعدُّ أحد الواجهات العالمية القادمة في مجال النقل والمواصلات مؤزَّرا بالمنطقة الاقتصادية كظهير اقتصادي آخر، مساهما في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في السلطنة لمزيد من النماء والازدهار.

* كاتب وباحث في التاريخ العماني

تعليق عبر الفيس بوك