من يحمي "حماية المستهلك"؟!

مسعود الحمداني

منذ أنْ صدر المرسوم السلطاني رقم 26/2011، والذي قضى بإنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك، وتعيين رئيس لها، لم تتوانَ هذه المؤسسة الوليدة عن مواجهة "غِيلان" التجارة ومحترفي الفساد بشجاعة غير مُعتادة في مؤسساتنا الرسمية، واستبشرَ المستهلك -المغلوب على أمره في كثير من الأحيان- خيرا في أدائها، وصارتْ بالنسبة إليه القشة التي يتمسك بها في محيط من الاستغلاليين والتجار الجشعين، والغش التجاري، وعملتْ على أداء رسالتها ببسالة يشهد بها القريب والبعيد.

ورغم محاولة بعض المتنفذين وأصحاب المصالح تعطيل خط سيرها وتقليم أظافرها، إلا أنها سارت وسط غابة من الأشواك، وحقول الألغام، لإنجاز ما تمَّ تكليفها به من قبل السلطان المعظم، يدفعها لذلك حماس كبير، ووطنية عالية، ويحميها قانون المرسوم رقم 53/2011، الذي أشار إلى تبعية الهيئة لمجلس الوزراء، وأيلولة اختصاصات ومخصصات وموجودات دائرة حماية المستهلك من وزارة التجارة والصناعة إليها، إلى جانب مرسوم قانون حماية المستهلك رقم 66/2014 والذي أعطى للهيئة صلاحيات واسعة، ومنحها صفة الضبطية القضائية؛ حيث قامت الهيئة منذ ذلك الحين بكشف المستور عن العديد من قضايا الفساد التجاري، وأخرجت الكثير من الخبايا التي كانت في علم الغيب وعلم اصحاب الضمائر الميتة، ولعل هذا ما أثار عليها غضب بعض المتكسِّبين من بطن الوطن، وظهور الناس، حتى لا ينفضح أمرهم، ولا ينكشف سترهم، غير أن قافلة الفساد التجاري ستتوقف يوما ما مهما علت الأصوات وهاجت الأمواج، وثارت العواصف؛ فالمواطن بحاجة إلى جهة حكومية قوية تأخذ بحقه، وتقف إلى جانبه، مدعومة من أعلى هرم في السلطة، ومسنودا بقوانين واضحة وصارمة وصريحة.

إنَّ تبعية الهيئة العامة لحماية المستهلك لمجلس الوزراء، والذي يرأسه صاحب الجلالة -حفظه الله- يغلُّ يد كل من يريد "فرملة" عملها، وترهيبها؛ فالأداء الذي ظهرت عليه الهيئة منذ إنشائها جعل منها واحدة من أقوى الهيئات تطبيقًا للقانون، واتسم عملها بالشفافية والمهنية، وهو ما أعطاها مصداقية لدى المستهلك، وملجأ له من جشع بعض التجار، واستغلالهم، فقضايا الفساد الضخمة التي تم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام، والتي كشفها موظفو الهيئة، تشيبُ لها الرؤوس، وتقشعرُّ منها الأبدان، وطرحت في كثير من الأحيان تساؤلا مشروعا عن حجم الغش التجاري الذي يعشش في الشركات الكبيرة قبل الصغيرة، وتعتاش على صحة المواطن، وتجعل من الوطن رهينة لمثل هؤلاء الاستغلاليين، لدرجة أن البعض انتقد نشر مثل تلك القضايا في وسائل الإعلام لأنها تعكس صورة سلبية للتجارة العمانية، ونسي هؤلاء أن مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد معياران من معايير الاقتصاد القوي ذي الثقة العالية في كل دول العالم.

أعتقد أنَّه وبعد سنوات من السيرة الناجحة لهذه الهيئة، فإنَّ الأوان قد حان لترسيخ كيانها كمؤسسة وزارية، يرأسها رئيس بدرجة وزير؛ فهذا ما سيُعطيها قوة إضافية، ويمنحها صلابة أكبر على الوقوف في وجه الحيتان الكبيرة، ويحميها من محاولة البعض إسكات صوتها، ويجعل منها كيانا أكثر قدرة على التأثير والتنفيذ، كما أن ذلك سيضع كل مسؤوليات وحقوق المستهلك في يد جهة واحدة لا أكثر، كي لا يتفرق دم الفساد بين القبائل والوزارات... وتقيَّد القضية ضد مجهول.

Samawat2004@live.com