مشوار إلى مشعوذ!

أمل الحرملي

جاءتني تزف إليّ بشرى حمل اثنتين من اللائي انتظرن بتوقٍ عارم لسنواتٍ طوال، تمخض عنها الكثير من النزف المادي، والنفسي، والعاطفي. شاركتها سعادتها، وسألتها: أي بابٍ فتح الله بوجوههن، بعدما طرقن جميع الأبواب مسبقاً دون جدوى؟

فاسترسلت بحديثها، لتصف لي بركات الشيخ المعالج، الذي ذهبوا إلى بيته، المكتظ بالمرضى طالبي الشفاء على يديه، والدواء السحري الذي حقق لهن المعجزة المنتظرة، ومع تقدم شهور العلاج، ظهرت عليهن حقا أعراض الحمل، وانتفخت البطن شهرا بعد شهر، بينما كان للطب رأي آخر: أنهن لسن حوامل إطلاقا!

التشبث بالأمل مهما بدا ضئيلاً، وخادعاً، وواهماً، وإن كان مصدره خرافة مبنية على غيبيات، وظواهر غامضة، هو ديدننا نحن البشر ضعيفي الحيلة. استمررن بتصديق المعالج الذي كان يدحض رأي المستشفى، بادعائه أن الأجنة لن تظهر في الأشعة التي يجريها المستشفى؛ لأنه حسب زعمه قام بإخفاء الأجنة حتى لا يطالها السحر والمس!!

بدأت إحداهن في تجهيز غرفة الطفل، إلى أن انقضت المدة، وتجلت شمس النهار التي لا تحتاج إلى دليل، وعرفت أخيرا، أنها كانت ضحية تاجرٍ ممن يتاجرون باسم الدين؛ ليجمعوا الثروات من جيوب السُذّج، واليائسين المتعلقين بأي قشة؛ في سبيل معانقة أحلامهم واقعا.

غصة تلو غصة تنبثق من هذه القصة، وغيرها من ملايين القصص، التي تترجم خلاصة الواقع المرير الذي يمر على مرأى ومسمع، تحت مسمى "معالج بالرقية الشرعية"، أو عيادات "الطب الشعبي التقليدي"، المصرَح لها مزاولة عملها، دون رقابة على نوعية، وتوصيف، وشرعية ما يقدّم من علاجات، والتي تبطن الدجل، والشعوذة، أكثر مما يدعيه مزاولو هذه الصنعة من التداوي بالقرآن!

وأصبحت المتاجرة بآلام الناس، وأحلامهم، سوقا رائجة فيها الغث والسمين، والزائف والحقيقي، وبينها متشابهات كثر، وحتى الذين يُؤمَل منهم الوعي، وسعة الاطلاع، والإيمان بأننا لا نحتاج أن ندفع لأحد ليقرأ علينا آيات من القرآن، حتى هؤلاء انجروا وراء خرافة قدرة هؤلاء المعالجين على تفسير ما يعجز العلم عن تفسيره، أو إنقاذ ما استعصى على الطب إنقاذه.

فإن كنا نذهب إليهم طلبا للرقية الشرعية، فكلنا نستطيع نفض الغبار عن المصاحف المركونة على الأرفف في بيوتنا، وقراءة آياته بيقينٍ لا يساوره الشك، أن الله لا يفصل بيننا وبينه حُجُب، وأنه أقرب إلينا من أوردتنا، وأعظم من مشاكلنا وهمومنا، وأنه وحده يمتلك القدرة المطلقة على منحنا ما نريد، في المكان والزمان المناسبين، ووفقا لحكمة لا يدركها سواه سبحانه.

وإن كنا نتزلف إليهم بالمال، والقرابين؛ لاعتقادنا أنهم بعلمهم وقدراتهم، هم خلاصنا من السحر، والمس، والحسد، فهذا من الشرك الذي حرّمه ديننا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال القبول، أو التصديق بالمعلومات التي يزودونا بها؛ لجهلنا بوسائل هؤلاء في الحصول على تلك المعلومات، فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإما أن تكون أكاذيب بحتة، أو مزيج من الحيل الشيطانية، وبما أن ذوي الألباب لا يعالجوا السكري بتناول المزيد من السكر، فإن المُبتلى بالشر، لا يدعو المزيد من الشر إلى بيته.

في أحيان كثيرة نرى الساعي إلى هؤلاء معافى، وعلته بسيطة، وما إن يقول له المشعوذ إنك مسحور، أو محسود، حتى يبدأ بنفث السموم في رأسه، وكم أنه شخص مغبونٌ على ما هو عليه، وأن من حوله يتربصون به، فيبدأ الوسواس والشك ينخر فيه، حتى يخسر صحته، وعلاقاته، وهكذا يكون قد ضاعف مشاكله، وقضى على حياته من حيث لا يدري.

محاربتنا لهذا الانجراف وراء الوهم، لا تتنافى مع إقرارنا بوجود الكثير من الظواهر الميتافيزيقية، التي تبحثها علوم ما وراء الطبيعة، والتي يستعصي على العقل البشري فك شفراتها، وحل رموزها، ولكن هذا لا يعني أن نتوقع النفع، والضر ممن لا يضر ولا ينفع إلا بإذن الله. إنَ معظم أمراضنا منشأها نفسي، وجُل ما نحتاجه لتجاوزها، هو عيش نمط حياة صحي، يوفر لنا الصحة الجسدية، والروحية، والعاطفية، والنفسية، فحين تتزن عجلة الحياة، فإنها حتما تأخذنا إلى حيث السلام والعافية، بعيدا عن المشاوير إلى بيوت، وعيادات الدجل.

تعليق عبر الفيس بوك