حدباء المدينة


د. محمد الدفراوي - مصر


(لاوجود لأية قاعدة ، كل الناس استثناءات لقاعدة لاوجود له).. فرناندو بيسوا
منتصف النهار، القيظ شديد، الشارع المسدود مقفر من المارة، تمشي في هيئة هزيلة، حدباء، محنية القامة كانها تصيخ السمع، ثيابها متربة، تسحب رجليها كالمشلولتين، عيناها المدورتان ملهوفتان، وجهها الممصوص غامض، عصبت رأسها بشال أسود مثقوب، قلبها قبل عينها معلق بكل أبواب البيوت.. ارتسم على محياها قلق بالغ لم يفارقها عندما رأتها مغلقة.. بدت كمن وئدت في ثيابها حية، غرقت في عجز طفل حائر،  انزاحت الأرض من تحت قدميها شبه الحافيتين، لكنها لم تستطع أن تبقى بعيدة عنها أو تنصرف!
مدت نظرها في الشارع، فعاد خاسئا.
أمام باب أنشبت أصابع قدميها.
أصرت على البقاء.. مالت برأسها قليلا بعدما اثقلتها صرة من قماش غامق، راحت تترنح فوق رقبتها النحيلة، ينساب عرقها بطيئا علي وجهها المتسخ.
كان بؤسها أكبر انتصار لإرادة الحياة!
كان أكبر عزائها أن يُفتح لها الباب.
بصوتها المكتوم نادت علي األ البيت، لم يجبها أحد.
منكسرة  تحاول دون فائدة .
روائح الطعام المنبعثة، تقرأ معدتها الفارغة أصنافها.. تتذوقها أمعاؤها التي تفوح منها رائحة اليأس.
تستأنس صوتا خلف الباب، اتقد له قلبها وتهلل وجهها، ترمي ببصرها من كوة إلى كوة،  تمني نفسها بإجابة، يتعلق نظرها بنظرات مقطبة شاخصة. تؤمي لها بالانصراف و لا توده؛ فبؤسها المسعور لايسمح لها بذلك.
مرت اللحظات ثقيلة، لم تجد شيئا تدين به أحد... قررت أن تغادر و لا تعود إلى الشارع ثانية.

 

تعليق عبر الفيس بوك