كش ملك!

وليد الخفيف

 

في لعبة الشطرنج من المُمكن أن تُضحِّي بالبيدق (العسكري) ذي الحركات المحدَّدة، أو تتنازل لمنافسك عن قطعة أخرى أهم مثل القلعة (الطابية)، على سبيل المثال، أملا في حماية "الملك" الذي يعمل الجميع من أجل حمايته.

ومع عَودة مُنتخباتنا بخُفي حنين من جاكرتا، ونحن نعيش على حطام رقعة شطرنج كبيرة، يحرك قطعها من يرتدون ثوب الصلاح، فهم البارعون في تحريك أوتار البسطاء، وإشعال غضب الأوفياء، تجاه الجانب المنصوب له فخ تحمل المسؤولية بإحكام. يعزفون على أوتار البسطاء عبر المنابر المتفق عليها سلفا من تكتلات خندقت الوسط الرياضي في شرنقة من الأوهام، معروف أغراضها لدى العراب، فلطالما سمَّمت الوسط بفتاويها الواهية، الجاهزة لكل من يدفع ثمن مشورة النجاة.

البسطاء والبعيدون عن أسوار المطبخ قد يقتنعون بحديث صِيغت عِبَاراته بدهاء، أما العرابون فمُدركون أن غض الطرف كان قبل أيام عنوانا لبعضهم، والتصفيق مقدمة لكُتبهم، بينما المديح الذائف والمجاملات فهما منهج وأسلوب حياة، فيا من يعينه الكلام "لا تبيع الماء في حارة السقايين".

هذا واقع الأيام الراهنة، وربما أشار البعض إلى أن الاتحادات تتحمل المسؤولية، أو حتى اللجان الرياضية ذات الموازنات الشحيحة، ومن قبلهم زججتم بوزارة الشؤون الرياضية رغم عدم مسؤوليتها عن الرياضة التنافسية في فيلم عنوانه "الهروب الكبير"، ليكونوا قرابين للجماهير والإيعاز بتحملهم للمسؤولية كاملة، أملا في ارتداء ثوب البطولة الرامي لتحقيق هدف أعمق وهو بناء جدار عالٍ يحمي اللجنة الأولمبية وبعض الاتحادات، من ألسنة النقد المشروع، إخفاقات جاكرتا التي يجب أن تكون دافعا لهؤلاء كي يخرجوا من المشهد.

رَاودتني الشكوك حول قُدرة المنتخبات المشاركة على حصد العديد من الميداليات، غير أن الصفر الكبير لم يخطر ببالي؛ فالصُّحف ووسائل الإعلام تطالعنا كل يوم بإنجازات اتضح بعد ذلك أنها محض خيال. وارتقى الشك إلى إيمان عميق بأنَّ عددًا من الاتحادات واللجنة الأولمبية من ورائهم سيجرون أذيال الفشل من إندونيسيا، بعدما تفاجأت بدعوة اللجنة الأولمبية العمانية لجمعيتها العمومية قبل أيام من توجُّه البعثة إلى جاكرتا، بهدف عقد اجتماع طارئ من أجل إجراء تعديلات في النظام الأساسي، يمنح الرئيس ونائبه حق اختيار أمين السر وأمين الصندوق من بين الأعضاء الناجحين في الانتخابات المقبلة، ومع قبول الجمعية العمومية للتعديلات في لمح البصر، وبترحاب بالغ للتعديلات، دون أن يسأل أحدهم عن جدواها، وهل هذه التعديلات ستفضي إلى صناعة بطل أولمبي أم لا؟! لملمت أوراقي حينئذ وألقيتها أدراج الرياح واثقا من أن النتائج ستكون مُعارضة لتوقعات وطموحات الجماهير، وأن عقد الاجتماع الطارئ في هذا التوقيت ربما كان نذيرا بخطر ما قد يقع؛ فالوقت يعد فرصة لتمرير المواد التي تثبِّت أركان صاحبي المنصبين حتى وقت لا يعمله إلا الله، وان إجراء التعديلات عقب العودة المحزنة سيكون مستحيلا لتزامنه مع استياء جماهيري متوقع، وهنا تبدو قيمة الخبراء، فكيفية تقطيع الكعكة بحرفية علم له أركان وأصول، يُدركه بعض المتشدقون بثوب العلا والصلاح.

اعتقدت خطأ أن اللجنة الأولمبية ستجتهد بالتعاون مع الاتحادات المنضوية تحت مظلتها في وضع تشريعات تضمن تحقيق التفوق الرياضي المنشود، لا سيما وأن السلطنة من بين دول قلائل لا تملك في سجلاتها أي ميدالية أولمبية، وما حققته في الدورات الآسيوية السابقة يبدو ضئيلا أمام الاهتمام المتنامي لمؤسسات الدولة لهذا القطاع، وعلى رأسها وزارة الشؤون الرياضية.

وبدأت خطة تنصُّل اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية من المسؤولية مع ارتفاع منسوب الغضب الرياضي، فألقوا بعصا موسى لتسحر أعين الناس، مثل كشف بعض الملفات في اتحادات ولجان رياضية، أملا في امتصاص هبَّة الجمهور.

انتظرتُ حتى يُدلي الجميع بدلوه في بئر فارغ اسمه "مَنْ المسوؤل؟"، فلو كان بالبئر ماء، لقرأ أصحاب الآراء المتأثرة بضجيج المدّاحين، الأنظمة الأساسية للاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية، ولاطلعوا على اختصاصات وزارة الشؤون الرياضية ودورها وأهدافها والعلاقة التي تربطها بالمؤسسات والهيئات ذات الصلة، قبل إصدار الحكم؛ فمع القراءة الرشيدة ستنكشف الأمور، وبالتحليل الواعي المجرد الخالي من شوائب المصلحة سيتضح الخيط الأبيض من الأسود.

وتقول كل الأنظمة الأساسية -التي أعدتها وصاغت تشريعاتها الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية، بمباركة من جمعياتها العمومية- إنها هيئات رياضية خاصة تحظى بالاستقلالية المطلقة في قرارها، وتشرف عليها الجهة الإدارية (وهي هنا وزارة الشؤون الرياضية) ماليًّا وإداريا فقط، دون المساس بقراراتها المتخذة عبر مجالس إدارتها المنتخبة، والممهورة بموافقة أغلبية جمعياتها العمومية صاحبة الحق الوحيد في مساءلة المجلس، فهي من تمنحه الثقة وهي وحدها التي تمتلك حق سحبها، عبر آليات منصوص عليها في النظام الأساسي، والعقد شريعة المتعاقدين!!

فالاتحادات التي لطالما تمسَّكت باستقلالها المطلق، هي من تُعد سنويًّا بنودَ الموازنة على أنشطتها، وهي من تعتمد كوادر أجهزتها الفنية والإدارية، وهي من تتقشف في الإنفاق الفني، وتنفق بسخاء على المكافآت والسفريات، وخصَّصت من مواردها بنودًا للإنفاق على فنادق الإقامة والانتقالات، لا سيما من صلالة ومسقط. أليس بعضكم من ذهب لبطولة آسيا دون أن يشتري للاعبيه أحذية رياضية؟ أليس بعضكم من أعطى لاعبيه في دورة آسيوية 3 ريالات يوميا وخصَّص المئات لرجاله الطيبين؟ ألم يسأل بعضهم عن اقتراض حذاء من منتخبات منافسه ومر الأمر دون حساب؟ ألستم من عدَّلتم الأنظمة الأساسية دون منطق أو مبرر حقيقي يخدم المنظومة الرياضية؟! ألستم من تطلقون الانتقادات للوزارة بحجة ضعف الإمكانات؟!

من أين أتيتم بالصَّمغ العربي الذي يُثبتكم على مقاعدكم لمواجهة زلزال اسمه غضب الشارع الرياضي؟ ألستم من تتمسَّكون بالاستقلالية التامة، وترفضون التدخل الحكومي في عملكم؟ اليوم الحكومة هي السبب؟! فأنتم من لوَّح بعضكم بعواقب التدخل الحكومي، مهددين بالزج بها في النفق الذي عانت من جنباته الكويت لسنوات؟! أما عمومياتكم فهي على أسرَّة الإنعاش، بضاعتكم رُدت إليكم! فهل يرتدي البعض ثوبَ الشجاعة مُعلنا استقالته، مزينة باعتذار وأسف لتتركوا الساحة لآخرين.. فربما يكون من بينهم المنقذ؟!

نجحتْ اللجنة الأولمبية عندما عقدتْ مؤتمرا صحفيا قبل البطولة لتُؤكد خلاله أن الاتحادات الرياضية هي من تتحمَّل المسؤولية، وأنها جهة تنسيق فقط؛ فالتصريح من الناحية القانونية رصين أصيل صحيح مكتمل الأركان، ولكن نسيتم أنَّ اللجنة الأولمبية يتشكل مجلسها من رؤساء عدد من الاتحادات الرياضية، والعدد الباقي عضو فاعل في العمومية؛ فالرئيس ونائبه فقط لا يمثلون اتحادات رياضية، وليس لهم نفوذ على عمل تلك الاتحادات من الناحية الفنية؛ فالأمين العام للأولمبية على سبيل المثال هو رئيس لاتحاد السباحة الذي غرق سبَّاحيه الاثنين في التصفيات الأولى، وكذلك رئيس اتحاد السلة عضو في مجلس الأولمبية ولعبته غائبة عن المشهد لسنوات، والأمر ينطبق على رئيسي اتحادي الطائرة والتنس اللذين ودَّعا المسابقة من بدايتها، فيما يشغل أيضا نائب رئيس اتحاد الكرة عضوية المجلس ومنتخبه الأولمبي خارج أسوار البطولة؛ لذا فأنتم تتحملون المسوؤلية ضِعفين.

ليس من الفِطْنَة البكاء على الحليب المسكوب، فإيجَاد الحلول مسوؤلية الجميع، وأعتقد أنَّ إصدار قانون جديد للرياضة العُمانية يعد حجر الزاوية لانطلاقة أخرى ناجحة، وأقولها بصراحة إنَّ ما تحقق إبان المجالس المعينة كان أفضل من عثرات المجالس المنتخبة.

لذا؛ على من يُحرِّك قطع الشطرنج الحذر ثم الحذر، فربما يختلط عليه المربع الأسود من الأبيض؛ فتحرُّكاته مكشوفة، وطريقه مليء بالعثرات، وبات قريبا من سماع "كش ملك"!