قراءة في كتاب "السينما الأمريكية الفني والأيديولوجي " للمغربي سليمان الحقيوي


الطاهر الطويل – المغرب
إعلامي وكاتب مغربي


من المفيد في جمالية التلقي التعرّف على النقد السينمائي وإعادة ربط العلاقة بينه وبين الجمهور، حيث يقع جذب الانتباه إليه كحقل مهم وأساسي بالنسبة للمتلقي، يكمّل متعة مشاهدة الفيلم ولا يقيم ضدها أيّ تعارض، بل يكون جسرا لتدعيم فهم الفن السابع.
وحيث إن السينما الامريكية ما زالت الأكثر انتشارا والأكثر استهلاكا، فيتعين على من يتابعها ان يواكب ذلك بقراءة موازية يضطلع بها النقد السينمائي. وضمن هذا الإطار، يأتي كتاب الناقد المغربي سليمان الحقيوي الموسوم بـ "نقد السينما الأمريكية ـ الفني والإيديولوجي في الفيلم الأمريكي" الصادر عن دار "الراية" للنشر والتوزيع (عمّان ـ الأردن) مساهمة في إثراء الثقافة السينمائية وتنمية الوعي الادراكي لدى الجمهور في تذوق العمل السينمائي وفهمه. فالأعمال السينمائية التي يحللها مؤلف الكتاب هي أفلام تجمع بينها عناصر جمالية في ثيمات مختلفة ومتعددة لا تدين لمنهج نقدي محدد بل تنهل من مجموعة من المعارف، اللسانية والأدبية ومن ثقافة الصورة باعتبارها وسيلة التواصل الأبرز في هذا العصر.
يمارس سليمان الحقيوي من خلال توطئة الكتاب ما يسمى "نقد النقد"، إذ يتطرق إلى مدى تأثير النقد السينمائي على الجمهور وكيفية مساهمته في تلقي الأفلام، حيث يعتبر أن النقد السينمائي العربي ـ اقتداء بنظيره الغربي ـ لا يخرج عن أحد المسارين: إما مقاربة الأعمال السينمائية بآليات نقدية أدبية وفلسفية ولسانية وسيميائية... وذلك بالتخصص في إحدى هذه المناهج والخلفيات، أو بالجمع بين أكثر من واحدة منها؛ وإما باعتماد "قراءة انطباعية" للفيلم السينمائي، وهي التي تتعامل مع الصورة الفيلمية بإصدار أحكام نقدية عابرة ومتسرعة، تكون غالبا وليدة سياق التأثير الذي تمارسه الصورة وتحايلها في تحريك العواطف وإثارة الغرائز، دون تحليل مؤَّطر بوسائل وآليات فنية، وهذا ما يوقع الناقد والمشاهد معا في تحكيم الخلفية الايديولوجية التي (وإن كانت حاضرة في عمل ما) لا يمكن جعلها قاعدة فنية، وهذه الرؤية تنتهي بأحكام جاهزة ينتج عنها عنف نقدي مضاد لمحتوى الفيلم أو منبهر به.
ويضيف الكاتب قوله: "حينما نشاهد عملا سينمائيا جيدا، نحتفظ بصورة جميلة عنه، تسمّى الصورة الكلية، وهي ما يبقى عالقا في الذهن بعد الفراغ من مشاهدة العمل مدة طويلة قد تصبح سنوات. لكن الكتابات النقدية - بالتوجهات الذي ذكرناها - تصيب القارئ/ المتفرج أثناء مطالعته لها بالإحباط، لأنه لا يجد امتدادا للمتعة في ما يقرأه، وهذا أمر لم ينتبه إليه العديد ممن يكتب عن السينما. لذلك، أصبح النقد السينمائي شيئا ذا قيمة ثانوية بالنسبة لجمهور السينما، وبالنسبة للقراء بصفة عامة، الذين يفضلون الاحتفاظ بمتعتهم عن الفيلم، وعدم تعكيرها بقراءة ما كُتب عن هذه الافلام."
وحيث إن الفيلم هو شيء مشترك بين النقاد والجمهور/ القرّاء، فيتعين أن يجد القارئ صدى ولو قليلا جدا من المتعة التي تتحقق بالدفع به إلى نقط أعمق من المستوى الذي وصله عند مشاهدته للعمل بما يسمح به ادراكه. وبحسب قول سليمان الحقيوي، فعلى الناقد أن يكون على معرفة كبيرة ومتشعبة (سينمائية، أدبية، لسانية، تواصلية، فنية...) ولكن لا يشهر هذه المعرفة بدون سياقات من شأنها أن تفزع القارئ، بل أن يكيّفها مع المادة التي تجمعه به (الفيلم)، وأن يقدم المعرفة السينمائية للجمهور بطريقة تزيد فهمه بالسينما وليس العكس.
ينفتح الباب الأول من الكتاب على الأفلام الأمريكية التي تعالج قضايا إنسانية كبرى، وفي مقدمتها قضية الميز العنصري، وذلك بتقديم قراءات وافية للأعمال السينمائية التالية: "كبير الخدم"، للمخرج لي دانيلز، "المساعدة" للمخرج تيت تايلور، "دجانغو الطليق" للمخرج كوينتن تارانتينو، "12 سنة من العبودية" للمخرج ستيف ماكوين، "42" للمخرج برايان هيلجلاند.
أما الباب الثاني فيتطرق إلى نماذج من الأفلام التي اشتغلت على السير الذاتية، ومن بينها فيلم "حياة باي" للمخرج التايواني أنغ لي الذي يقدم قصة عن السمو الروحي، ثم فيلم "غاتسبي العظيم" لمخرجه الأسترالي باز لورمان الذي يستلهم رواية بالاسم نفسه لمؤلفها سكوت فيتزجرالد، وفيلم "لا يقهر" Invictus الذي يستلهم فيه المخرج كلينت إيستوود سيرة نيلسون مانديلا، وفيلم "الكابتن فيليبس" للمخرج البريطاني بول غرنغراس، وفيلم "لينكولن" للمخرج ستيفن سبيلبرغ، وفيلم "ذئب وول ستريت" الذي يعالج فيه مارتن سكورسيزي قصة رجل أعمال شهير، وفيلم "ج. إدغار" الذي يسلط الضوء إبداعيا ـ من خلال لمسة المخرج كلينت إيستوود ـ على شخصية أحد كبار رجال الاستخبارات الأمريكي خلال فترة الحرب الباردة والمد الشيوعي.
وضمن صفحات الباب الثالث المعنون بـ"سينما الخيال"، نقرأ مقاربات نقدية لأفلام: "الجنة" Elysium للمخرج نيل بلومكامب، "جاذبية" للمخرج المكسيكي ألفونسو كوراون، "حرب الأحياء الأموات" مارك فورستر، "المنتقمون" للمخرج جوس ويدن.  
أما الباب الرابع "سينما الجمال" فيتناول فيلم "السمكري الخياط الجندي الجاسوس" للمخرج توماس الفردسون ، "حصان الحرب" و"سمفونية أخرى" لستيفين سبيلبرغ، "شجرة الحياة" للمخرج تيرنس ماليك، "عاليا في السماء" للمخرج جورج كلوني، "الكلمات" للمخرج برايان كلوغمان، "هي" للمخرج سبايك جونز، "كل شيء ضاع" للمخرج جي سي شاندور، "نبراسكا" للمخرج ألكسندر باين.
في حين يسلط الباب الخامس الأضواء على سينما الإنسان والمجتمع من خلال الأفلام التالية: "رحلة طيران" للمخرج روبرت زيميكس، "العلاج بالسعادة" للمخرج دافيد روسل، "الكفاح الأمريكي للمخرج دافيد أو راسل، "نادي دالاس للمشترين" للمخرج الكندي جان مارك فالي.
ويخصص الباب السادس لموضوع السياسة في السينما، حيث يقدم الناقد سليمان الحقيوي قراءة في أفلام المخرج جورج كلوني الذي اشتهر بمساندته لباراك أوباما أثناء ولايته وخاصة فيلم "منتصف مارس"  و"ليلة سعيدة وحظ سعيد و"سلم السلطة"، كما يحلل مؤلف الكتاب فيلم "الجلد النظيف" الذي يتناول مخرجه هادي هاجيج موضوع الإرهاب، وأيضا فيلم "أرغو" لمخرجه بين أفليك والذي يدور حول إحدى أكبر أزمات الرهائن في تاريخ الصراع الأمريكي/ الإيراني.
وعودا على بدء، فإن كتاب "نقد السينما الأمريكية ـ الفني والإيديولوجي في الفيلم الأمريكي"  إذ يقدم تحليلا لمجموعة من الأفلام السينمائية، فإنه ـ كما أراد له مؤلفه ـ يقدم مادة نظرية كبيرة، بما يلائم السياق الجمالي والفني لكل فيلم، وبما يمكّن القارئ من ثقافة سينمائية تنمي الذائقة والوعي الفنيين.
...................................................
tahartouil@gmail.com

 

 

تعليق عبر الفيس بوك