رفع كفاءة مخرجات التعليم العالي (1 -3)

د. عبدالله المفرجي *


الحلقة الأولى: المعلم.. عنصر نجاح المنظومة التعليمية
التعليم من أكثر المهن نُبلاً ورفعة؛ فهو ينقل الناس من غياهب الجهل إلى نور العلم، فالمعلم الناجح يفتح أمام طلابه المستقبل المشرق، ويجعل أحلامهم ممكنة، وأهدافهم سهلة المنال، ويقودهم إلى النجاح؛ فالمعلم أحد أقطاب العملية التربوية الفعالة، ويمثل أحد أعمدة التعليم الناجح، لكنه في العصر الرقمي ليس المصدر الوحيد للمعرفة، كما كان من قبل، ويختلف دوره في مؤسسات التعليم العالي عن دوره في التعليم العامح فقد أصبح المعلمون الأكفاء ضرورة مُلحَّة لتطوير التعليم. ومن هنا، كان لا بد من تعزيز المعلم بمهارات القرن الحادي والعشرين، والتركيز على تطوير أساليب التفاعل بين كل من المعلم والمتعلم والانتقال من دور المعلم الملقن للمعلومة إلى التعليم التفاعلي، والذي يجعل المتعلم محور العلمية التعليمية.
وتلعب برامج الإنماء المهني دورا مهمًّا في غرس المعارف والمهارات في الحقل التربوي في ظل الطفرة التكنولوجية التي يشهدها القرن الحالي؛ الأمر الذي يجعل المعلم في سباق كبير مع التقنيات الحديثة، والسعي لتوظيفها في مجال التعليم والاستفادة منها في المواقف التعليمية المختلفة، وتؤكد مجموعة من الدراسات أنَّ أهم عامل في نجاح منظومة التعليم في المدراس هو المعلم، وأن المعلم المتمكن الفعال يؤثر على تحصيل الطالب بمقدار 3 إلى أربعة أضعاف معلم آخر ضعيف غير فعال، وأن التأثير التراكمي على مدى ثلاثة أعوام يعادل 37% مع المعلم غير الفعال، مقارنة بـ90% مع المعلم الفعال، وقد صور ذلك الفيلم الوثائقي الأمريكي في انتظار سوبر مان (2010)، والذي يصف حال التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وينتقده بشدة، ويراه قمة في الفشل والتدهور، عبر أساليب تعليمية خاطئة وغير تربوية، ومناهج فاشلة بشدة، فقد أشار الفيلم إلى أنَّ الطالب بين يدي معلم فعال متمكن يستطيع أن يحصل على ثلاثة أضعاف العلم، مقارنة بالمعلم غير الفعال الضعيف [راجع: د. وليد فتيحي، ومحياي 2، التعليم التفاعلي]. وبذلك، أصبح إيجاد المعلم الفعال وكيفية رفع مستوى ملايين المدرسين هو التحدي الكبير الذي يواجه المنظومة التعلمية، وهنا يجب علينا قراءة الوضع الحالي بمؤسسات التعليم العالي وإعادة التفكير الجاد في تقديم برامج تدريبية تجعل المعلم قادرا على بناء بيئة تعليمية جاذبة للطالب، وداعمة لعملية التعلم، وتزيد شغفه بتعزيز مهارة فهم المتعلمين واستثمار ميولهم وقدراتهم وإشراكهم في أنشطة تفاعلية تحفزهم على التعلم. فالتدريب المستمر عملية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لتحسين الأداء وتلبية احتياجات التطور للوقوف على أحدث طرق التدريس وتكنولوجيا التعليم وكيفية توظيفها في الحقل التربوي.
فالمُعلِّم الناجح يستطيع توليد الدافعية والرغبة في التعلم في نفس المتعلمين بإقناعهم بحاجتهم للتعلم. فإذا أردنا بيئة تعليمية تنبض بالحياة، فلنعمل على إمدادها بمعلمين يمتلكون القدرة على القيام بواجباتهم. وكذلك المعلم الجيد يستطيع تجاوز الكثير من سلبيات المنهج إن وجدت، بينما غير المؤهل، أو الذي لا يشعر بانتمائه المهني ودوره وأهميته، فلا يستطيع الإفادة من معطيات أي منهج جديد في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة (حلمي أحمد الوكيل، 2001م). لذلك، كان لازماً على المعلم أنْ يُواكب المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكي يتم ذلك فلابد من التدريب المستمر أثناء الخدمة لتلافي الفجوة بينه وبين جيله وجيل طلابه.
وهنا، نختم بأنفس ما ذُكِر عن المعلم "المعلم الموهوب مُكلِّف، ولكن المعلم السيئ أكثر كلفة" [باب تالبرت]، "المعلم هو الشخص الوحيد الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجيا" [توماس كاروترس]، "من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذا تافها" [ليوناردو دافنشي]، "أفضل المعلمين من يدرسون لطلابهم من قلوبهم وليس من الكتب". ويقول أحمد شوقي: قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا.. كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا".
وبهذا القدر، نكون قد انتهينا من الحلقة الأولى من سلسة تأهيل الأكاديميين لرفع كفاءة مخرجات التعليم العالي، وسوف نتحدث في الحلقة القادمة عن مبرات برامج الإنماء المهني للأكاديميين.

* دكتوراه القانون العام، وباحث ماجستير تربية تخصص تكنولوجيا التعليم، ومحاضِر ببرنامج التعليم عن بُعد بكلية العلوم الشرعية

تعليق عبر الفيس بوك