أمل يتجدَّد!

◄ منذ بواكير النهضة المباركة.. يشكل التعليم اللبنة الرئيسية في بناء الدولة العُمانية الحديثة

◄ ننادي في كل مبادراتنا بضرورة الاستفادة من طاقة الأمل المتدفقة لبناء المستقبل

◄ سوق العمل بصورته الحالية لن يكون ملائما لأبنائنا بعد إكمال دراستهم.. ووظائف بعينها ستزو

 

مع إشراقة العام الدراسي الجديد، اليوم، يتجدَّد الأمل في بناء المستقبل.. أملٌ في مزيد من العطاء.. في تنمية مُستدامة قوامها منظومة تربوية ناجعة، تحقِّق للنهضة المباركة خططها، وترتقي بمستوى التعليم في بلادنا؛ لضمان مُوَاصَلة مسيرة التطور والنماء. الأمل يتجدَّد اليوم ونحن نُرسل أبناءنا إلى مدارسهم، مُستودعين الله أن يحفظهم، وأن يكون عامهم الدراسي الجديد عامَ تفوق ونجاح، يُبحر بهم في أنهار المعرفة المتدفقة ومحيطات العلوم الشاسعة، بما يُمكنهم من الانتقال إلى مراحل أكثر تقدمًا في مسيرتهم التعليمية، ليخرجوا بعدها إلى سوق العمل بكلِّ تحدياته وآفاقه المشرقة، ليُسهموا بعقولهم المستنيرة في خدمة الوطن، والعمل على ازدهاره بين الأمم.

إنَّ التعليم، ومنذ بواكير النهضة المباركة، هو الرَّكيزة الأساسية واللبنة الرئيسية في بناء الدولة العُمانية الحديثة، ولقد رسَّخ جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- تلك القاعدة في مقولته الخالدة: "سنعلِّم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة"، وهو تأكيدٌ على أنَّ التعليم أولوية قصوى قبل كل شيء؛ فلا تطوُّر يتحقق بدون التعليم، ولا نهضة تتواصل في غياب جيل مُتعلِّم قادر على تسلم الراية من الجيل السابق له؛ فالمييز في جهود نشر مظلة التعليم أنها متواصلة دون توقف، ومستمرة على أسس مرحلية تضمن لها الديمومة والرُّقي؛ فمن التعليم الأساسي بحلقاته المختلفة إلى التعليم الجامعي بصنوفه وتشعُّباته العديدة، تتطور حركة التعليم وتتماشى مع المتغيرات من أجل ضمان مواكبة العصر، وتنشئة جيل يتسلح بنور العلم، سيعملون بكل إخلاص على خدمة وطنهم، وتحقيق رفعته في مختلف المجالات.

ولا يعترضني رَيْب في أنَّ حُكومتنا الرشيدة تعمل بتفانٍ ومسؤولية على مدى نحو خمسة عقود، على وضع أفضل السياسات التعليمية والتربوية، وها نحن الآن نجني ثِمار هذه الجهود التي لم تتوقف ومتواصلة، فقد بلغ عدد مدارسنا الحكومية 1159 مدرسة، ينتظم فيها ما يربو على 604 آلاف طالب وطالبة، ولنا أن نعلم أنَّ ذلك العدد يزيد عن عدد العام الماضي بنحو 34 مدرسة جديدة؛ أي نحو 3 مدارس في كل محافظة، فقط في عام واحد، وهو إنجازٌ ملحوظٌ في ظلِّ الوضع المالي الذي تمرُّ به بلادنا، والأوضاع الاقتصادية الإقليمية والعالمية التي نتأثر بها يوميا. هذا فضلا عن أعداد المدارس الخاصة والدولية ومدارس الجاليات ومدارس التربية الفكرية... وغيرها من المؤسسات التعليمية والتربوية، التي تفتح أبوابها لاستقبال الآلاف من الطلاب الدارسين في وطننا.

والسياسات التعليمية في بلادنا لا تركز فقط على جوانب تحصيل المعرفة، أو تطوير المنشآت، بل بالتوازي مع ذلك تضع رُؤى طموحة لتحفيز طلابنا وطالباتنا على إحراز التقدم، وتحقيق أعلى مراتب التميُّز في الأنشطة المدرسية، وهي أنشطة أساسية ورئيسية في تحقيق رؤيتنا لتعليم أفضل؛ فالطاقات الكامنة في نفوس أبنائنا بحاجة إلى أن تجد البوتقة التي تستوعبها؛ لذا فإنَّ الأنشطة الرياضية بمختلف الألعاب، والأنشطة الفنية وغيرها من الأنشطة، عصبٌ رئيسٌ في خريطة النهضة التعليمية.

لذا؛ نُنَادي في كلِّ مُبادراتنا بضرورة الاستفادة من طاقة الأمل المتدفقة من أجل بناء المستقبل، هذا الأمل المتجسِّد اليوم في بداية عام دراسي جديد؛ إذ يتعين علينا جميعا -المؤسسات التربوية، والمُعلمين، والطلاب، والأسر- أن نعمل على توظيف هذا الأمل لخدمة نَهضتنا، ودفعها نحو مَرَافئ التقدُّم والرُّقي. ويتحقق ذلك من خلال الاستفادة من المتغيرات الهائلة من حولنا، وتحديدًا من متغيرات الثورة الصناعية الرابعة، والتي نُكثر من الإشارة إليها؛ لأنها بحق المحرِّك الحقيقي للتطور الآن، وعدم استفادتنا منها على النحو المطلوب سيكون بمثابة الحرث في البحر؛ فلا تنمية مستقبلية لا تعتمد على مواكبة التطورات التقنية، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، وما ينتج عنه من تطبيقات تخدم مجال إنترنت الأشياء.

طُرق التدريس على سبيل المثال، يجب أن تُواكِب هذه التطورات، إذ إنَّ توظيف التقنية في التعليم يُسهل على أبنائنا عملية التحصيل والاستذكار؛ فهم الجيل الذي نشأ وترعرع على استخدام الهاتف الذكي في أبسط أمور حياته، ومن الجيد أن يستخدم هذه التقنيات في عملية الدراسة والتعلم. وحسنًا تقوم وزارة التربية والتعليم بتوظيف مثل هذه التقنيات، التي لا نُنكر وجودها، لكنها لا تزال بحاجة إلى جَهْد أكبر يُعزِّز حقول المعرفة لدى الطالب والطالبة. القطاع الخاص كذلك عليه دَوْر لا غنى عنه؛ انطلاقا من مسؤوليته الاجتماعية، والآمال المعلقة عليه لدعم تقدم مسيرة النهضة؛ وذلك من خلال تبني القطاع الخاص لمبادرات تعليمية تعود بالنفع والخير على جهود التطوير والتحديث. ومع الأمل المتجدِّد، تتزايد التطلعات لقيام الشركات الكبرى بتوزيع أجهزة لوحية على طلابنا ومعلمينا؛ كي يتمكنوا من التواصل المشترك، والاستفادة من الخدمات المهمة التي يقدمها تطبيق "ولي الأمر"، وهنا لا بد أن أسجل عظيم تقديري لهذا التطبيق المتميز، الذي يُوفر آلية عصرية للتواصل بين المدرسة وولي الأمر، لكننا لا يزال يحدونا الأمل في مزيد من التطوير، ليكون المحتوى الدراسي بأكمله متاحا على هكذا تطبيقات، تيسِّر على الطالب عملية الاستذكار، وتعينه على التفوق من خلال ربط الطلاب جميعهم بشبكة واحدة، تسمح لهم بإمكانية مناقشة واستذكار الدروس وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في عملية الاستذكار والتعلم. وهنا أشير إلى إمكانية تقديم المعلم للحصص بطريقة تفاعلية مع الطلاب، تقوم على تقينات الروبوت والبرمجة القائمة على الذكاء الاصطناعي؛ مثل: وضع برمجية متخصصة تسمح بقيام عمليات حسابية في الرياضيات، أو تضع قواعد لغوية لمراجعة النصوص، وبما يسمح للطلاب بإثراء معارفهم العلمية.

ومن هنا، كان لِزَاما أن تنتقل تقنيات الثورة الصناعية إلى محتوى المناهج، وأن يتم تأهيل المعلمين -لا سيما في الرياضيات والعلوم- على أحدث النظريات والبحوث العلمية، وأن تكون الدراسة في مدارسنا داعمة ومحفزة للطلاب على الإبداع، وزيادة الاهتمام بمجالات الابتكار وإجراء التجارب العملية داخل المختبرات؛ كي تتحقق أعلى معدلات الاستفادة. وهنا، نوجِّه الشكرَ إلى المركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين، وما يبذله من جهود مُقدَّرة لتعزيز خطط الإنماء المهني، وفق أعلى المعايير النظرية والتطبيقية.

... إننا نُؤكد أنَّ تفاصيل الثورة الصناعية الرابعة لم تعُد موضعًا للرفاهية أو التمني دون العمل على تحقيقها؛ فمن الضروري أن يصاحب هذه الثورة ثورات أخرى في آلية إيصال المعلومة للطالب وطرق التدريس وأدوات التحصيل لدى الطلاب، ووسائل التقييم والامتحان، وغرس الفكر التحليلي وتعزيزه، بدلا من عمليات التلقين.

وختامًا نقول: إنَّ ما يدعونا للحديث عن توظيف التقنيات الحديثة أكبر بكثير من مجرد مُوَاكبة العصر، بل استباقه؛ فسوق العمل بصُورته الحالية لن يكون ملائِمًا لأبنائنا الطلاب عند تخرجهم بعد إكمال دراستهم؛ إذ إنَّ وظائف بعينها ستزول، ولن يكون لها أي وجود بغضون سنوات، وهو ما يحثُّنا على أن نستبق المتغيرات المستقبلية في هذا السوق، وتأهيل أبنائنا على وظائف المستقبل، التي بلا شك تقوم على معطيات الثروة الصناعية الرابعة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فهل سنجد في العام المقبل طالبًا يؤدي الامتحان على جهازِه اللوحي؟ أو يجتاز اختبارًا بتجربة عملية في المختبر؟ أو يثبت نبوغه عبر ابتكار عبقري يدفع به إلى مقعد الجامعة مباشرة، متفوقا على أقرانه، بفضل اجتهاده وإبداعه؟!

الأمل قائم ومتجدِّد....،