الخريف الآسيوي الملتهب


د. محمود رمضان - مصر


يرادف مصطلح الخريف الآسيوي الملتهب، الذي نحن بصدده، مصطلح الربيع العربي من حيث الشكل العام وإن اختلف في المضمون المنهجي والعلمي بإختلاف الخصائص العامة المميزة لكل منهما في علم الجغرافيا المناخية، وذلك لاختلاف الفصول الأربعة الرئيسة والأرض والمقومات الطبيعية والبشرية أيضا.
ولكن الخريف الآسيوي للتغيير لن تقوم به الشعوب مثلما حدث في ثورات الربيع العربي، بل سيعتمد على تحالف بعض الأنظمة القوية وارتباطها بالمصالح المختلفة ضد أنظمة أخرى صغيرة لكنها تبدو قوية بعلاقاتها الدولية أو بتحالفاتها السياسية مع قوى دولية كبرى، وذلك لإحداث توازنات سياسية وإستراتيجية إقليمية ودولية وخلق إطار للممانعة في تكتلاتها لحجب باقي الأنظمة عن الصعود السريع أو الاختلاف عن إستراتيجيات الأنظمة الأخرى في قارة آسيا والتي سيشملها الخريف الآسيوي.
ويأتي الخريف الآسيوي كنهاية طبيعية للرّبيع العربي المُتقلِّب الذي ألم ببعض الدول العربية وترك آثارا وجراحا مؤلمة واستنزف الطاقات الاجتماعية والبشرية والثقافية والفنية والحضارية والتاريخية والاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى ذوبان الصقيع الفكري والجليد السياسي للشتاء البارد الذي سبقه أيضا.
لقد درج العرب على تعريف النصف الثاني من فصل الصَّيْف وصَميمه بموسم القَيْظُ أو فصل القَيْظُ الذي تشتد فيه حرارة الطقس جدًا وهو حاقُّ الصَّيْف، أي اللاهب، حيث يبدأ مع نهاية اليوم الرابع من شهر يونيو وبزوغ فجر يوم الخامس منه سنويًا، ويستمر فصل القَيْظُ ثلاثة أشهر هي ( يونيو ويوليو وأغسطس )، ويدلّ فصل الصيف على الحرارة الشديدة والشَرد الصيفي الساخن وتساقط أوراق النّبات والأشجار بصفة عامة، كما يعرف المطر الذي ينزل في القيظ بالخريف أيضا، ويشتهر الحجاز بمطر الخريف وقوته وتكاثف المزن (أي السحاب الأبيض) بها.
إن الخريف الآسيوي الملتهب يعتمد في سيره وطقسه على طبيعة الموقع الجغرافي المتميز لقارة آسيا في الجزءين الشمالي والشرقي من الكرة الأرضيّة، حيث تنوعت أقسامها ومناطقها الجغرافية المهمة، منها شرق آسيا، جنوب آسيا، وسط آسيا، وجنوب شرق آسيا، سيبيريا، وغرب آسيا وكان لهذا الموقع الجغرافي أثرا مهما وعاملا أساسيا في استقبال أمواج الحر الشديد وهواء الطقس المتقلب.
والهبوط العمودي لكتله الهوائية الساخنة التي تزيد من سخونة سطح أرض هذا الخريف الآسيوي الذي حملته رياح التغيير الشمالية الغربية القادمة من شمال أفريقيا ودول الربيع العربي -المشار إليه- حتى وصل إلى المنطقة الفاصلة بين كلا القارتين الأفريقيّة والآسيويّة، وهي جغرافيا تشمل ( السويس والبحر الأحمر)، وشهدت هذا المنطقة المذكورة تاريخيا عبور كثير من الثقافات والحضارات المختلفة بين قارتي آسيا وأفريقيا منذ أقدم العصور، كما كانت السويس بؤرة من البؤر الملتهبة أثناء الربيع العربي أيضا، ولم يكن البحر الأحمر والدول الأفريقية والآسيوية المطلة عليه ببعيدة عن ظواهر المد والجزر السياسي التي صاحبت الربيع العربي سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ولن تكون بمعزل عن أحداث الخريف الآسيوي أيضا.
إن ما يحدث في المنطقة العربية - القسم الآسيوي- والذي بدأ مع فجر الخامس من يونيو ما هو إلا خريف آسيوي لإعادة صياغة إستراتيجيات جديدة لدول المنطقة وأمنها القومي وعمقها الإستراتيجي أيضا، وكما أن الشُوب في آخر الصيف أصعب من أمواح الحر في أوله، وبخاصة أن الصيف يمتاز بطول نهاره وجفافه، فمن المتوقع اشتداد رمضاء التغيير وهطول أمطار الحميم وهبوب رياح الخماسين الصيفي الملتهبة والممتزجة بالغبار العالق بها، مع توالي الأحداث في منطقة الخريف الآسيوي.

وبالرغم من أن فصل القيظ وخريفه هو موسم جني التمور في منطقتنا العربية وبشائر الرطب الشهية، فمن الملاحظ كثرة وجود آفات هذا الخريف الآسيوي التي أصابت نخيل عروبتنا وعلاقتنا الاجتماعية والاقتصادية أيضا، فأصبح من النادر وجود هذه الخيرات بمذاقها الطبيعي في البيئة العربية مع بداية الخريف الآسيوي حاليا، وصدق المثل القائل "إن البيت الذي لا تمر فيه جياع أهله".
كما ستشهد دول الخريف الآسيوي انبثاق زهور القلب النازف الشهيرة ليس فقط في آسيا الغربية من سيبيريا إلى جنوب اليابان، بل ستزهر في عموم آسيا وخريفها بجذورها الضعيفة الهشة أيضا، بالإضافة إلى عودة زهور البيجونيا الأمريكية إلى موطنها الآسيوي الأصلي مرة أخرى، بما تحمله من صفات مكتسبة قد تتأثر بأمواج الخريف الآسيوي المبكر.
وسيشهد الخريف الآسيوي فصلين كاملين وهما الصيف والقيظ وخريفه، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين، أولا: إن دول القارة الآسيوية وعددها 48 دولة، أي أكثر من ضعف الدول العربية البالغ عددها 22 دولة حاليا والتي مر بها الربيع العربى، ثانيا: زيادة الكثافة السكانية لقارة آسيا وأثرها في صد أمواج الخريف الآسيوي والعمل على تبطئته أيضا.
وسيمر الخريف الآسيوي بأربعة فصول أو مراحل، تبدأ بالخريف الآسيوي العربي (القسم الغربي من قارة آسيا)، ثم شتاء شبه القارة الهندية وما يجاورها من بلدان، يليه صقيع جنوب شرق آسيا السيبيري، بالإضافة إلى فصلين ختاميين ضمن فصول التغيير القاري في العالم وهو الربيع العربي الثاني( أفريقيا) الذي يحدث كنتيجة حتمية للارتدادات المناخية والسياسية الواقعة في دول قارة آسيا وخاصة القسم الغربي العربي منها، ثم الخريف الأوروبي الأمريكي للتغيير القادم أيضا.

 

تعليق عبر الفيس بوك