الاتساق والانسجام في وصايا قيد الأرض للشاعر العماني سعيد الصقلاوي (4-4)


 

د. انشراح سعدي – الجزائر - أستاذة محاضرة /جامعة الجزائر(2)

يكثر في هذا المنجز الشعري الصقلاوي تكرار الألفاظ داخل سياقات شعرية مختلفة يمنحها طاقات جمالية ودلالية كبيرة ، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال حذف هذا اللفظ المكرّر لأنه محتو لوعي الشاعر "وكل محتو للوعي هو في جوهره ذو طبيعة  علائقية ،إنه جزء داخل كلّ ، ولا يكون  أبدا عنصرا معزولا" ونستشهد هنا بقصيدته الموسومة رسالة
وأعرف أني بنيران دمي أخط
فهذي الرسالة ليست
ترانيم بوح الصياح،
وأوراد همس المساء
وليست
حماما
يطوف في منتهى الأفق أو في فضاء الزمن
وليست
بباقة زهر
وحزمة فل
وعقد البنفسج في مهرجان مروج النهار
وليست غناء السواقي التي ترفد النبض بالعنفوان
...
تكرر الفعل ليست أربع مرات بصيغته التأنيثية ،وشكل إيقاعا موسيقيا في القصيدة  ترجم أحاسيس الشاعر الذي قال في مطلعها وأعرف أني بنيران دمي أخط  لينساب القاموس الشعري ( ترانيم، همس، بوح ،زهر، فل، البنفسج، النبض ، السواقي ،العنفوان...)، فتفاعل الشاعر مع الطبيعة يبدو واضحا ،ليقول إن هذه الرسالة أكبر من كل شيء جميل في هذه الطبيعة ،واستعماله في مقام آخر حرف العطف والاستدراك (لكن) ليقول لنا هذه الرسالة ليست كل هذا
ولكنها دفق ومض
بحلم النجاة
وصرخة رفض  
على نقض عهد الحياه
على خفض عز الجباه
امتد انفعال الشاعر عبر قاموس متنوع واتسع ونما مع التّكرار، فنقل لنا أهمية الرسالة التي كتبها بنبض الدّم ،إنه تفاعل الطبيعة بالذات الإنسانية  فالشاعر يتحدث عن صرخة الرفض وخفض الجباه،وهذا التكرار صورة من صور الترابط بين أشطر القصيدة يظهرها على أنها متراكبة متواشجة.
ولفت انتباهنا في هذا المنجز الشعري تكرار الضمير في مواضع عديدة و اخترنا أن نقف عند ضمير نحنفي قصيدته الموسومة  نحن هذا الوطن  
إذ كرر الشاعر الضمير (نحن) ثلاث مرات في تعبيرهعن حالة شعوريه سامية، وخرج ضمير نحن عن دلالة الافتخار والتعظيم إلى دلالات جديدة  تحفز القارئ على حب هذا الوطن الذي تغنى به الصقلاوي إذ يقول:
نحن هذا الوطن  
في روابي الزمن
....
نحن قلب به
نور فكر وفن
...
نحن هذا الوطن
سرنا والعلن
ونحن هنا لا يقصد بها الذات الصقلاوية وإنما الذات المحبّة للوطن المفتخرة به ،الضمائر المكرّرة في القصيدة الصقلاوية تشكل  ملمحا بارزا لا يمكن للقارئ أن يغفل عنه ، لما أراده الشاعر من بيان لقيمة المكرر ضمن السياق الذي ورد فيه .
*التكرار الجزئي ويتمثل في نقل العناصر المعجمية التي سبق استعمالها إلى فئات مخلتفة من (فعل إلى اسم) ونستشهد هنا بمقطع من قصيدة انهلي
جمّلي
واحفلي
بالحب يغمر الربى
للعلي
واعتلي
إلى عل ثمّ عل
أزلي
وتمثل التكرار الجزئي في (للعلي/اعتلي/عل) حيث تم الانتقال من فئة الفعل  إلى فئة الاسم.
*التكرار بالمرادف دلالة وجرسا : وهو تكرار لكلمتين ذات معنى واحد وتشتركان في بعض الأصوات والميزان الصرفي ويظهر جليا في البيت الآتي في قصيدة خطى
فأعجب  كيف لا يقوى
واعجب كيف يحتمل
تمثل التكرار دلالة وجرسا في كلمتي( لا يقوى / يحتمل) إذ تحملان نفس الدلالة .
ب-التضام: هو توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطهما بحكم هذه العلاقة أو تلك،وحسب ما ذهب إليه هاليداي ورقية حسن ،فإن العلاقة النسقية التي تحكم هذه الأزواج في خطاب ما هي علاقة التعارض، مثلما هو الأمر في أوزاجكلمات مثل : ولد ،بنت، جلس ،وقف، أحب أكره...إلخ إضافة  إلى علاقة  التعارض هناك علاقات أخرى مثل الكل –الجزء، أو الجزء-الجزء، أو عناصر من نفس القسم العام :كرسي طاولة (وهما عنصران من اسم عام هو التجهيز ...) ، على أن إرجاع  هذه الأزواج إلى العلاقة التي تحكمها ليس  دائما بالأمر الهين
العلاقات الحاكمة  للتضام في ديوان  وصايا قيد الأرض:
• علاقة التعارض أو التضاد: يقول أحمد عفيفيالتضاد كلّما كان حادا ( غير متدرج) كان أكثر قدرة على الربط النصي، والتضاد الحاد قريب من النقيض عند المطابقة ..وقد مثل له أحمد مختار بالكلمات ميت –حي/متزوج -أعزب، ومن أمثلة التضام بواسطة التعارض قصيدة خطى التي انبنت في مجملها على التضاد
بقلب الليل يشتعل
ورغم الجذب ينهطل
يوزع أنس بهجته
ولكن روحه الوجل
ويسكر بالهوى  والشعر
من إحساسه ثمل
يلمّ الحزن في فرح
ويحنو وهو معتدل
ويهدر في تصامته
ويهدن وهو يقتتل
يداوي وهو مجروح
ويحلم وهو منفعل
ويقطع وهو يتصل
ولا العثرات ينتعل
تضمّت القصيدة  الكثير من الأمثلة عن التّضام بواسطة علاقة التضاد الحاد ، وذلك من خلال  الثنائيات الضدية التالية :( الجذب/ ينهطل)، (أنس/ وجل)،(الحزن/فرح)،(يحنو /معتدل) (التصامت /الهدر)،(يداوي/مجروح)( يقطع /يتصل) ، وأسهم هذا التضاد الحاد في ترابط النص الشعري، فالقارئ لهذا النّص الموسوم خطى يستشعر هذه الخطى وهو يتدرج في قراءة النص  حتى تصير مسارا كاملا يصل إلى  نور الله ويبتهل إذ يقول :
بحب الأرض معجون
وعشق الأرض منبجل
مطاردة أمانيه
ويملأ يأسه الأمل؟
لنور الله يبتهل
وبالإنسان  يحتفل
فالتضاد هنا ساهم في ترابط النص واتساقه ، إذ يحمل في ثناياه  أبعادا  نفسية تتشكل منها ذات الفرد الذي يتعثر في الخطى في البحث عن الحقيقة ، بين جذب ومطر وأنس ووجل وانحناء واعتدال وهدر وصمت وجرج وداء وقطع واتصال إلى أن يصل  إلى الله الحقيقة الكبرى والموجود الأسمى .
• علاقة التكامل  والتقابل :قد ينشأ التضاد على علاقة تبدو  للوهلة الأولى أنّ

 

تعليق عبر الفيس بوك