جدل مغربيّ حول الاقتراض لشراء الأضاحي


الطاهر الطويل - المغرب


مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يتجدد النقاش في المغرب حول موضوع الاقتراض من المؤسسات المصرفية من أجل شراء الأضاحي، ولا سيما لدى الأسر الفقيرة والمتوسطة التي تجد نفسها محاصرة بين الوفاء بالسنة النبوية من جهة وبين إلحاح الأبناء من جهة ثانية والهجمة الشرسة لإعلانات القروض من جهة ثالثة.
ويزداد الموضوع حدة مع محدودية الدخل الفردي لدى العديد من الأسر التي تجابه بتنامي أسعار المواد الاستهلاكية واحتياجات الموسم الدراسي الجديد الذي يوجد على الأبواب، فضلا عن صعوبات الاصطياف خلال موسم العطلة السنوية.
وتوزع السجال الدائر حاليا في منتديات التواصل الاجتماعي الافتراضية حول موضوع الاقتراض من أجل العيد بين رأيين، أحدهما يميل إلى الإباحة والثاني إلى التحريم. ووجد أنصار الرأي الأول ضالتهم في تصريح أدلى بهم مسؤول ديني مغربي، هو الفقيه لحسن سكنفل (رأي المجلس العلمي المحلي في مدينة تمارة)، ومن هؤلاء الباحث المختص في قضايا الجماعات الإسلامية الدكتور إدريس الكنبوري، الذي يرى أن المشكلة شديدة التعقيد "لكننا نميل غالبا إلى الوقوف في الأسود أو الأبيض وننكر الألوان ولا نعترف بالحالة التي يختلط فيها السواد بالبياض. الذين ينكرون الاقتراض يقولون إن الربا محرم في الإسلام، وهذا طبعا هو المبدأ. ولكنهم يتكلمون مع الكبار ولا يضعون الأطفال في الاعتبار، والعيد لم يعد شعيرة دينية بل تحول إلى طقس اجتماعي ضاغط للعائلات والأطفال حيث تتحول البيوت التي لا تجد وسيلة لشراء أضحية إلى مقابر يوم العيد مما يورث الأطفال الحسرة والكآبة التي تتحول إلى شعور بالنقص والدونية قد تنعكس على شخصيتهم."
ويتساءل الكنبوري قائلا: "لا أعرف لماذا تكرار الموضوع كل عام بمناسبة عيد الأضحى، مع أن مسألة الاقتراض تطرح في رمضان وفي الدخول المدرسي وفي العطلة الصيفية وفي مواسم الزفاف وغير ذلك، فهل العيد دين والمناسبات الأخرى غير دين؟" ويستطرد قائلا: "هناك نزعة علمانية في تفكيرنا في أمور الدين، وصلت اليوم إلى المؤسسات الدينية، بحيث أصبح التفكير في أمور الدين منفصلا عن أمور الدنيا. الاقتصاد الربوي الذي يرفضه هؤلاء يحاصر المواطن في حياته اليومية، لا سلطان له عليه، وهؤلاء كلهم يتوصلون بأجورهم عبر البنوك، ويتعاملون مع البنوك."
وبعدما يلاحظ أن نسبة الفائدة على القروض البنكية عالية في المغرب، يدعو الحكومة إلى أن تقترح على المصارف تخفيض تلك النسبة في مناسبة عيد الأضحى، طالما أنها تثير كل مرة قضية البنوك الربوية. كما يدعو المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة رسمية مسؤولة عن الشأن الديني) إلى الجواب عما إذا كان التعامل بالربا للاقتراض من أجل أضحية العيد يندرج ضمن "المصلحة المرسلة" التي أجازها المجلس نفسه في فتوى سابقة.
وفي الجهة الرافضة للموضوع جملة وتفصيلا، يوجد الصحافي والباحث يونس إمغران الذي يعزز موقفه بقصة تروى عن أحد الخلفاء الراشدين جاء فيها إن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ذهب عند خازن بيت مال دولته يقترض منه راتبه الشهري قبل أداء عمله، رغبة في شراء ما يغطي به عري بناته بمناسبة عيد الفطر، فرفض الخازن بدعوى عجز الخليفة عن ضمان بقائه على قيد الحياة إلى حين حلول أجل استيفاء الدين، وقدرته على دفع الموت عنه.
وتابع الصحافي المغربي قائلا: إن جواز الاقتراض من البنك بفائدة أمر محرم بإطلاق، ولم يجوّزه إلا من كان "عالما" في مجالس السلطة ومواكب النفوذ. أما العلماء الناصحون للسلطان فلا يجيزون إلا الحق الدامغ للباطل.
وإذا كان المسؤول الديني لحسن سكنفل برر رأيه بكون الاقتراض البنكي يدخل الفرح على الزوجة وأبنائها، ويحقق البعد التعبدي للمناسبة الدينية، فإن يونس إمغران يجيب بالقول إن الحرام لا يحلل بالبعد الاجتماعي، ولا بإدخال الفرحة على قلوب الأطفال ونفوس الزوجات، كما أن الله لا يعبد بالحرام. ويضيف: "كنا نرجو من رئيس المجلس العلمي لمدينة تمارة أن يفتح أبوابا شتى لتمكين فقراء البلد من إقامة السنّة المؤكدة لعيد النحر، أقربها إلى الواقع أن يدعو الدولة إلى شراء أضحية العيد لمن لا يستطيع شراءها، وأن يهيب بالمحسنين وغيرهم من أغنياء البلد، إلى التسابق والمسارعة نحو هذا الأجر العظيم بشراء اكباش العيد وتوزيعها على من يستحقها."

 

 

تعليق عبر الفيس بوك