محاولة لقراءة الخريطة قبل احتراقها

إدلب أرض الزيتون.. معركة واحدة ونهايات مفتوحة

...
...
...
...

 

الرؤية - خالد أحمد

 

المعركة ستدور هناك عند البوابة الشمالية الغربية لسوريا.. محافظة إدلب، أو أرض الزيتون التي تحتضن ما يزيد على 15 مليون شجرة. وهي معركة مختلفة عن باقي المعارك التي نشبتْ بين القوات الحكومية السورية ومختلف الفصائل المسلحة التي واجهتها من قبل، واستطاعت أن تهزمها في حلب والغوطة... وغيرهما من البلاد التي استعادتْ فيها القوات الحكومية سيطرتها.

مختلفة لأنَّ كل المعارك السابقة أو أغلبها انتهتْ بخروج "آمن" للكثير من المقاتلين، الذين توجَّهوا وسكنوا إدلب؛ حتى صارت تلك المحافظة التاريخية العريقة أرضاً لمن بَقِي من مُعَارِضي الأسد المسلحين.

نحن الآن على أعتاب معركة "تطهير" برية وجوية؛ حيث تسعى القوات الحكومية لاستعادة السيطرة على إدلب، وفرض معادلة جديدة على أرض الواقع.. أهم عناصرها إعلان سوريا خالية من الجماعات المسلحة.

ومع توالِي مَوَاقف اللاعبين على المسرح السوري بدا المشهد شديد التعقيد، بينما لم تكن المعطيات كافية لقراءة مستقبل الملف السوري بوجه عام. فاللاعبون على المسرح انقسموا إلى معسكرين رئيسيين؛ الأول: يضم الجيش السوري مُسانَداً بدعم روسي وإيراني، وهذا المعسكر -حسب مصادر إعلامية مقربة منه- بدأ بالفعل تحريك قواته لتحرير إدلب وفرض السيطرة عليها، في بداية لمعركة شرسة وطويلة؛ حيث ذكر مراقبون أن أعداد الجماعات المسلحة -من مقاتلي النصرة وجند الأقصى.. وغيرهما من المسميات- في إدلب يتراوح بين 80 إلى 100 ألف شخص، وهو ما يعني أن هزيمة تلك الأعداد تتطلب أعداداً أكبر ومساندة عسكرية مختلفة.

المعسكر الثاني يضمُّ أطرافاً أكثر إضافة إلى الفصائل المسلحة؛ على رأسها الإدارة الأمريكية، اللاعب الأهم على المسرح السوري منذ سنوات، إضافة لتركيا، ولاعبين آخرين.

التجاذب بدأ قبل أيام، بعدما ظهر جليًّا أن القوات السورية الحكومية جادة في إعادة فرض سيطرتها على محافظة إدلب بكامل قُرَاها، بعد نجاحها في تحقيق ذلك في حلب والغوطة وغيرهما؛ وبالتالي توالت ردود الأفعال، والتي بدا فيها المعسكر الثاني أقل تنظيماً وأكثر انفعالاً، بينما بدا الأول عازماً واثقاً رغم ما طاله من تهديدات.

كان أوَّل ردود الأفعال تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي قال إن بلاده سترد "بقوة" على أي استخدام للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية في إدلب (رغم أنه لم تصدر تقارير تشير إلى نية القوات الحكومية فعل ذلك)، وأضاف بولتون أنه لا يُوجد تفاهم بين أمريكا وروسيا بخصوص خطط نظام الأسد لاستعادة السيطرة على إدلب، وأعلن خلال اجتماع مُغلق مع رئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشي، عن استعداده لشن ضربة جديدة على سوريا "أقوى بكثير" من تلك التي شُنت بعد مدينة دوما.

قبل ذلك بوقت قصير، وزَّعت البعثات الدائمة لأمريكا وبريطانيا وفرنسا بياناً في الأمم المتحدة، قالت فيه بوضوح إن "موقفها من استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية لم يتغير"، وأنها "سترد بشكل مناسب على أي استخدام آخر للأسلحة الكيميائية". بينما نقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الدفاع قولها، أمس الإثنين، إنها رصدت تعزيزات تقوم بها واشنطن لقواتها في الشرق الأوسط؛ استعدادا لما تخشى موسكو من أن يكون ضربة محتملة توجهها لقوات الحكومة السورية.

ونقلتْ الوكالات عن الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف، قوله: إن المدمرة الأمريكية روس المسلحة بصواريخ موجهة دخلت البحر المتوسط في 25 أغسطس، وهي مزودة بما قدَّره بأنه 28 صاروخا من طراز توماهوك القادرة على ضرب أي هدف في سوريا. كذلك قالت وزارة الدفاع الروسية إن "أعضاء التنظيم المسلح "هيئة تحرير الشام" يعدون لعمل استفزازي لاتهام دمشق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في محافظة إدلب السورية. وقال المتحدث العسكري الروسي: "في أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في كفر زيتا، تجري مجموعة من السكان الذين تم إحضارهم من شمال المقاطعة استعدادات للمشاركة في تنظيم "الذخيرة الكيميائية" المزعومة و"براميل المتفجرات" من قبل قوات الحكومة السورية، وتقديم المساعدة من قبل عمال الإنقاذ "الخوذ البيضاء"، وتصوير الفيديو للتوزيع في الشرق الأوسط ووسائل الإعلام الإنجليزية".

وأضاف: "يجري تحضير ضربة على كفر زيتا جنوبي إدلب، خلال اليومين المقبلين بأسلحة حرارية مسممة"، مضيفا: "هناك مجموعات من القاطنين في شمالي إدلب سيشاركون في الهجوم الكيميائي".

السلطات التركية بدورها طلبتْ -حسب مصدر عسكري سوري لوكالة "سبوتنيك"- من القيادة السورية عبر الجانب الروسي التمهّل حتى الرابع من شهر سبتمبر المقبل، قبل إطلاق الجيش السوري عمليته العسكرية المرتقبة لتحرير محافظة إدلب من سيطرة المجموعات المسلحة. وأشار المصدر إلى أن الطلب التركي تضمن إعطاء مهلة "أخيرة" لتركيا لمدة 10 أيام على أن تسعى أنقرة خلالها إلى إقناع "هيئة تحرير الشام" بحل نفسها.

وكان بعض المراقبين أشاروا إلى أن السيناريو الذي اعتمدته إدارة الأسد خلال الفترة الماضية، والذي انتهى إلى تجميع مقاتلي الفصائل المسلحة في إدلب، قد يكون الخطوة الأذكى في حربها التي تخوضها منذ سنوات على أرضها، والتي سترسم ملامح معارك المرحلة المقبلة.

جدير بالذكر أن محافظة إدلب تحتل موقعا متميزاً ومهمًّا على طريق الحرير قديماً، وكانت معبراً للجيوش الغازية، وطريقاً مهمًّا للقوافل التجارية القادمة من الأناضول وأوروبا إلى الشرق، أو بالعكس عبر معبر باب الهوى الحدودي، ومع ذلك فإنَّ إدلب من أغنى محافظات سوريا، وتعد صِلة الوصل ما بين المنطقتين الساحلية والوسطى، والمنطقتين الشمالية والشرقية، حيث تكون جسراً بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية، والمناطق الشرقية، ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.

تعليق عبر الفيس بوك