البلاستيك.. عدوُّنا الذي نحبه!

أمل الحرملية


منذ ظُهور مُصطلح التنمية المستدامة لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، والحديث حول صَوْن البيئة ومواردها، بما يوفر احتياجات الحاضر دون الإخلال بحاجة الأجيال القادمة لتلك الموارد، قد أصبح في بؤرة اهتمام العلماء، والمهتمِّين بحماية كوكبنا الأزرق؛ لمواجهة الكثير من مخلفات الحضارة المدمرة، مثل: الاحتباس الحراري، وانقراض الكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية، والتلوث الناشئ عن الاستهلاك غير الحكيم للكثير من المواد، والمركبات الكيميائية الضارة بالبيئة.
ويتربَّع البلاستيك على رأس القائمة في أكثر المواد شيوعا في الاستعمال؛ لاحتوائه على آلاف المركبات الكيميائية؛ مثل الديوكسين، وهي مادة سامة مُسرطنة تتفاعل مع كل ما يوضع بداخل الأكياس، والعبوات البلاستيكية خصوصا، في ظلِّ درجات الحرارة المرتفعة، أو إعادة استخدام الأكياس البلاستيكية لأكثر من مرة، أو حفظ الطعام في تلك الأكياس المُغلقة لفترة طويلة؛ مما يُشكل خطرا حتميا على الصحة، وتؤدي لظهور الكثير من الأمراض، أخطرها السرطان بسائر أشكاله، واختلالات الجهازين: المناعي والعصبي.
وعلى صعيد البيئة، فإن المخلفات البلاستيكية لا يُمكن التعامل معها كبقية المخلفات الصناعية الأخرى؛ فهي من أبطأ المواد التي تتحلل، وتبقى في البيئة لمئات السنين؛ لتدمر التربة، ومصادر المياه الجوفية، والسطحية، والنظم الحيوية البيئية المختلفة؛ حيث اختفت الكثير من الأنواع الحيوانية، والنباتية، أو تناقصت أعدادها بشكلٍ يدعو لدق ناقوس الخطر؛ بسبب اختناقها بالبلاستيك، أو حجب هذه المخلفات لضوء الشمس من الوصول للنباتات، والشعب المرجانية؛ لذلك يلجأ البعض لحرق هذه المخلفات، باعتقاد أن الحرق هو أهون الأمرين، وهذا يقود إلى دمار من نوعٍ آخر، حيث تنتج غازات، ومعادن سامة ملوثة للغلاف الجوي، والتربة، والمياه، والصحة العامة.
ومن الملاحظ أن العديد من الحيوانات تقوم بأكل النفايات البلاستيكية، فيما يطلق عليه العلماء "ظاهرة اشتهاء البلاستيك لدى الحيوانات"، فإنْ لم تختنق في أحسن الأحوال، فهذا يعني أن بقايا البلاستيك تنتقل عبر السلسلة الغذائية إلينا، أو إلى الحيوانات التي تتغذى عليها، وتصبح أجسامنا مستودع بلاستيك غير مرئي يفتك بنا شئنا أو لم نشأ.
بدأ الوعي الجمعي يتعاظم بشأن هذه المادة بالغة الخطر، ونسمع بين فينة وأخرى عن حظر ألعاب أطفال مصنوعة من البلاستيك، بل وقد حظرت بعض الدول رضاعة الأطفال البلاستيكية؛ بسبب تفاعل الحليب الساخن مع البلاستيك الذي تُصنّع منه تلك العبوات، وتؤدي لتفاعل مادة الديوكسين آنفة الذكر مع الحليب، وتصبح خطرا يهدد حياة الطفل على المدى البعيد. كذلك في العديد من دول العالم تم استبدال أكياس التبضع البلاستيكية بتلك الورقية، أو القماشية قابلة التحلل، وتقوم المصانع المختصة بإعادة تدوير البلاستيك، بدعم مبادرات توعية الناس بضرورة فرز النفايات في كيسين مختلفين؛ أحدهما للقمامة العضوية، والتي تتحلل بسهولة، والآخر للمواد التي يمكن إعادة تدويرها كالبلاستيك، والورق؛ ليتم تجميعها لاحقا. وهنا فإن المسؤولية المجتمعية للتجار والموردين للبضائع في المراكز التجارية والمحلات، تحتم عليهم استحداث هذه الخطوة في مجتمعنا، بل وإلزامهم بذلك من قبل الجهات المختصة، إن استدعى الأمر. وجب الانتباه أيضا أن هناك أكثر من خمسة أصناف للمواد البلاستيكية، مصنفة من قبل هيئات، ومنظمات عالمية، كدليل للمستخدمين، أيها وُجد عليه رمز المثلث المكوَّن من ثلاثة أسهم، فهي للدلالة على أن المادة قابلة للتدوير، وإعادة التصنيع؛ لذا يُنصح باستخدام هذا النوع، وتجنب البقية قدر المستطاع. من الأهمية بمكان كذلك استخدم الأواني المصنوعة من الزجاج، والخزف، والخشب بدلًا من البلاستيك، واستبدال الأثاث المصنوع من البلاستيك بذلك الخشبي، وتجنب الملابس الرياضية المنسوجة بالنايلون، والبوليستر، واستبدالها بالقطنية، وفي المطبخ، والثلاجة، يجب تجنب حفظ الأطعمة داخل أكياس أو أوعية بلاستيكية، خصوصا في حالة تسخين الطعام.
إنَّ الاستهلاك المفرط دون حكمة للبلاستيك يهدد الحياة على هذا الكوكب، وهذا الركام المتزايد على اليابسة، والمتصاعد في الهواء، علاوة على آثاره الكارثية على الأجيال الحالية، إلا أنه ينذر بخطر حقيقي يحدق بالأجيال القادمة، والتي لن تغفر لنا استهتارنا، وأنانيتنا، وعدم نضجنا، وجديتنا، في التعاطي مع مواردنا!

تعليق عبر الفيس بوك