مشاهير الأطفال في "السوشيال ميديا".. قليل من الإيجابيات وكثير من السلبيات

الرؤية - نوف الحراصية

 

نتيجة للثورة التكنولوجية المصاحبة للتقدم التقني الذي يشهده العالم، والطفرة التي أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها التي تزداد اتساعًا، بدأ الطفل يأخذ نصيبا من أثر هذه البرامج، واتَّجه الأهالي لنشر المقاطع والصور لأطفالهم؛ وذلك لعرض مواهبهم في هذه المنصات، والبعض الآخر اتجه إلى استغلالهم في الترويج للإعلانات؛ فأصبح الطفل بالتدريج ضحية لاستغلال الأهل المستسلمين لسطوة هذه البرامج وتأثيرها؛ بعضهم قد يُعلِّل ذلك بأنه مساهمة في تطوير مهارات الطفل وإكسابه الثقة بالنفس، والبعض الآخر يرى الآثار السلبية التي يُمكن أن تنجم عن الشهرة التي يحققها الطفل، ومنها التنمُّر من قبل بعض الجمهور، وبوجه عام يمكن القول إنَّ لهذا التطور الجديد القليل من الإيجابيات وفي المقابل الكثير من السلبيات.

وتقول الإعلامية المها العادية مُقدِّمة برامج في تليفزيون سلطنة عمان: مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، واستخدامها تحت إشراف أولياء الأمور يؤمن للأطفال من مشاكل لا تحمد عقباها، مؤكدة أن المشكلة تكمن إذا كان الدافع من الأهل البحث عن الشهرة لهم ولأبنائهم هنا نستطيع القول إنه وجب التثقيف والتوعية لاستغلال هذه الوسائل بشكل إيجابي، ونحن لا نعاني من هذه المشكلة في مجتمعنا العماني، وهذا دلالة على وعي أولياء الأمور ومنع أبنائهم من الانجراف نحو هذا المجال.

ويقول الإعلامي عبد الله السباح معد ومقدم برامج بتليفزيون سلطنة عمان: أتفهَّم فرحة الآباء بحركات الأبناء الممتعة، ولكن عندما يتحول الموضوع إلى استغلال الطفل لكسب الشهرة أو زيادة المتابعين هنا يكمن الجرم الذي نتسبب به تجاه الأبناء، ونضعهم عرضة للتجريح من قبل المتابعين، ويصبح الطفل سلعة ومع مرور الأيام تختفي روح الطفولة الجميلة لديه وتصبح تصرفاته أكبر عن سنه، مؤكدا أن الآباء هنا يتحملون مسؤولية هذا الأمر. ويضيف: إن مسألة مشاهير الأطفال في النهاية هي تقليد لطفل حقق شهرة أو لإظهار أن طفلي يقوم بحركات أفضل من الآخر؛ فيصبح الأمر سباق من يقدم ويتنازل أكثر. مشيرا إلى أنه من الجميل أن نفرح بأبنائنا ونصورهم، ولكن لا يتحول الوضع إلى تجارة وتنافس لكسب المتابعين لأنَّ لكل عمر فرحته.

وبدوره، يقول عبدالله المعمري خريج كلية التربية قسم التربية الإسلامية: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".. فمسؤولية هؤلاء الأبناء تقع على والديهم، الذين يجب عليهم تربية أبنائهم التربية الإسلامية الصحيحة وإكسابهم القيم والعادات الصحيحة، مؤكدا أنه إذا تم استغلال الأبناء هذا الاستغلال السلبي وأثر عليهم فهم أول المحاسبين باعتبارهم المسؤولين عنهم كون الأطفال لم يبلغوا سن الرشد ويدخل في باب ظلم الأولاد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، مشيرا إلى أنه من باب العدل في التربية عدم استغلال الأطفال في أمر سلبي يؤثر على حياتهم بأكملها؛ فمنظور الشهرة هذا سيكبر مع الطفل، وربما يسبب حواجز وعقدا نفسية تبعده عن مجتمعه كل البعد، وربما أثرت في دينه فتجعله ينسلخ منه ومن مبادئه. ويضيف المعمري: المال الذي يأتي من وراء هذا الاستغلال هو ملك للطفل وليس للآباء، وهناك ضوابط شرعية تبيح لهم استخدام هذا المال فهو ملك لطفلهم وليس لهم. ويشير إلى أهمية توعية الأهالي بعدم استغلال أطفالهم في هذه المنصات، من خلال تذكيرهم بالآيات والأحاديث وقصص ومواعظ من تاريخ الصحابة تختص بتربية الأطفال. وكذلك تذكيرهم بالدراسات الحديثة التي أثبتت الأثر السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على الطفل.

ويؤكد الدكتور خالد العمري إخصائي إرشاد وتوجيه بمركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس، أن الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي تولد مشاعر إيجابية قوية ونمو وتطور في مفهوم الذات بشكل متسارع لدى الطفل، وقد لا يكون ذلك متناسباً مع المرحلة العمرية وخصائص التكوين النفسي للطفل في مرحلة الطفولة، ويؤثر في ذلك إدراك الطفل لهذه الخبرة ومستوى استقلاليته أو تعلقه بهذه المثيرات السريعة والمتغيرة على تلك الشبكات والمتمثلة بتعليقات الإعجاب أو الثناء من قبل المتابعين، والجانب الآخر وهو الجانب السلبي حيث قد تؤدي شهرة الأطفال إلى حدوث ضغط نفسي على الطفل، سيما إذا تم استغلال تلك الشهرة من قبل ذوي الطفل أو المسؤولين عنه، وهذا بالطبع يؤثر على استقراره النفسي، مشيرا إلى أن الشهرة من خلال برامج التواصل الاجتماعي تعرض الطفل لموقف تقييمي ومنافسة مرهقة من قبل الآخرين، وتجعله عُرضة لجميع أشكال التعليق والتفاعل المباشر، والذي قد يتضمن السخرية أو النقد الذي قد لا يحتمله الطفل ولا يدركه، ومن المحتمل تعرض الطفل للشعور بالإحباط وضعف الثقة بالنفس بعد انطفاء الأضواء عنه وتغير اهتمامات أو أمزجة المتابعين وظهور المنافسين، وربما مشاعر الغضب والحقد. ويرى الدكتور خالد أن استغلال شهرة الطفل يؤدي إلى انتهاك خصوصياته والتي لا يكون الطفل مدركا لأبعادها وتأثيرها فيشعر الطفل كأنه لا خصوصية له ولا استقلالية، وقد مورس كشف ذات الطفل بمستوى واسع وغير سليم من ذوي الطفل، أو من يقوم باستغلاله كل ذلك يُؤدي لمشاعر الضيق والإحباط ومصادرة حريته ومشاكل نفسية للطفل، قد لا يفهمها الأهل؛ كونه غير قادر عن التعبير عن نفسه أو أن ذوي الطفل لم يستطيعوا فهم مشاعر الطفل، مؤكدا أن كل ذلك يؤدي بالطفل إلى وضع نفسي غير مريح، ناهيك عن انصراف الطفل عن أولوياته وحاجاته المعرفية والاجتماعية والجسمية والنفسية التي يجب أن يشبعها بشكل متوازن لتحقيق المطالب النمائية لكل مرحلة عمرية.

ويُكمل عبدالحافظ المشيخي إخصائي اجتماعي بقوله: إن شهرة الأطفال قد تسبب سلبيات كثيرة، كالآثار النفسية لما سيواجهه من تملق المحيطين به أو عدم إعطائه الحرية فيما يختاره أو يفضله، فيكون كل شيء مختار له بعناية.

ويُشير المشيخي إلى أنَّ الشهرة تزيد من حرص الطفل واهتمامه بمظهره وتمثيل أو تجسيد ذلك الدور الذي يتقمصه في مواقع التواصل الاجتماعي؛ مما يؤثر عليه سلبا في المستقبل، ويرى المشيخي أنه بعد انطفاء أضواء الشهرة عن الطفل يكون التأثير بشكل مباشر عليه مما يزيد من تعلقه وافتقاده لتلك الأضواء والأدوار إن بنيت على مكسب مادي. ويضيف: إن شهرة الأطفال انتهاك لخصوصيته واقتحام عالم ناشئ غير مبال بتبعات ذلك الأمر عندما يكبر؛ حيث قد تتغير ميوله وأفكاره بعد ذلك عكس ما يقدمه أثناء الشهرة.

وبدورها، تقول المحامية مزنة السيابية: المادة 330 من قانون الجزاء العماني نصت على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة كل من نشر أخبارا، أو صورا، أو تعليقات، تسيء إلى الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، ولو كانت صحيحة إذا كان ذلك بدون رضا ذوي الشأن". وأشارت السيابية إلى أنه بالنسبة لظاهرة مشاهير الأطفال فغالبا ما يتم التسجيل والتصوير وإدارة الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أهل الطفل، وهو ما يشكل خرقا لما ورد في نص القانون، ومستوجب للعقوبة بنص القانون. وفي المقابل، فإن التنمر الذي يتعرض له الطفل في سن مبكرة جراء ما ينشر عنه فمعاقب عليه كذلك بموجب هذا القانون. تضيف قائلة: نصت المادة 278 من قانون الجزاء العماني بـ"يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 أيام، ولا تزيد على 6 ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن 100 ريال، ولا تزيد على 500 ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مكلف برعاية طفل لم يكمل 18 من عمره، أو شخص عاجز عن رعاية نفسه بسبب حالته الجسدية أو النفسية أو العقلية، فامتنع عن رعايته أو قصر فيها". مؤكدة أن تعريض الطفل لمساوئ مواقع التواصل الاجتماعي...وغيرها، لغرض مادي في غالب الأحوال، أو لهدف الشهرة فحسب، يعتبر إهمالا للطفل من الناحية الأخلاقية والنفسية؛ وذلك لما يتعرض له من شتى الضغوط والتي تؤثر سلبا وبشكل مباشر في النشأة السليمة للطفل.

تعليق عبر الفيس بوك