المروءة العُمانية باقية ما بقي الدهر

حمد بن سالم العلوي

 

منذ أن خلق اللهُ الكون ظلت عُمان تمارس النموذج الحاضن للحياة الإنسانية، والذي يجب أن تكون عليه الحياة الاجتماعية على الأرض، إذن من أراد أن يعرف كيف يعيش الإنسان مع الإنسان عليه بعُمان، ومن أراد أن يعرف حق الجار على الجار فعليه بعُمان، ومن أراد أن يعرف كيف تكون العبادة خالصة لله وحده فعليه بعُمان، ومن أراد أن يعرف كيف يكون التعايش السلمي بين خلق الله عليه بعُمان، ومن أراد أن يعرف كيف يتم وأد الجور والحسد والطغيان عليه بعُمان، ومن أراد أن يعرف كيف يجري الصلح والتسامح بين المتخاصمين عليه بعمان، ومن أراد المشورة والنصح والرأي السديد عليه بعُمان، ومن أراد فك أسر أسير وتعقدت عليه الأمور عليه بعُمان، وإن ضاقت بالإنسان الأرض وضاق عليه الرزق والأمن فعليه بعُمان.

إنّ كل هذه المَحَاسن التي يتوجب على الإنسان أن يتحلىّ بها، فنموذجها الحصري مقيم في عُمان، لأنّه لو طاف العالم أجمع لن يجد لها مثيل في غير عُمان، حتى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يزر عُمان يوماً، ولم يطأ أرضها لساعة واحدة، وهو لا ينطق عن الهوى، قال لمواساة أحد رسله الذي أرسله إلى منطقة في أطراف الجزيرة العربية، ولكن عاد إليه مضروباً ومشتوماً ومكسور الخاطر، قال له: "لو أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك" أتوجد في الكون كله شهادة بحُسن السيرة والسلوك لبلد بأكمله من سيد الثقلين، كالشهادة التي تشرفت بها عُمان من أشرف خلق الله في الكون أجمعه؟! لا وألف لا لم يمنح رسول الله هذه الشهادة بالبراءة من الخُلُق السيء إلا لأهل عُمان؟! ويأتي بعض الصبية وقطاع الطرق، ليلبسوا عُمان ما يحلو لهم من بهتان وزور وكذب، إنّ هذا اللبوس هو أليق بهم هم، وليست عُمان فخر الزمان، وميزان الحق على الأرض، لمن أراد العدل والإنصاف والإحسان.

لقد ظللنا ندرأ الشبهات عن عُمان بأدب وحياء، حتى ظن عديمو الحياء، أننا نخجل من الرد عليهم، لقد بلغ السيل الزُّبى، ومات في النفوس الضعيفة الحياء، وتطاول الغُرُّ في السياسة على مقام عُمان العالي، فعُمان التي عرف الطفل الرضيع كنهها العميق، وعرف أهلها بالنسب الرفيع، ولكن عميت بل وتعامت العقول الوجفة المريضة عن معرفة نهج عُمان وتاريخها ذي المجد العظيم، لقد ثبتت عُمان على الحق والمبدأ، وما زالت كذلك إلى اليوم والغد وإلى الأبد هكذا، وهي شهادة يكررها كل زائر عاقل منصف على مسامع الجميع، ولكن هيهات أن يفهم من غرست في نفسه النقيصة، لأنّه لا يعرف سواها فضيلة، وهي ستظل ترافقه في الدنيا، وتخزيه في الآخرة.

إنّ عُمان العريقة بتأريخها وحضارتها، فقط يعرفُها أصحاب الحضارات والتاريخ، وعُمان التي دخلت عصر الحداثة والتجديد عام 1970م، لم تجد مشقة في التعامل مع العالم، لأنّه وبمجرد أن قالت هنا "عُمان" ردد العالم أهلاً عُمان، أهلاً أرض المجد والسلطان، فلم تحتج أن تبحث عن طريقاً يؤخذها إلى المستقبل، فما كان منها إلا أن مدت يدها إلى أرشيفها الغني بالمعاني وكنوز الدهر القيمة، فأخذت خارطة الغد لتسير عليها، وكان أن قيَّض الله لها قائداً فذاً حكيماً جلالة السلطان قابوس المفدى - حفظه الله وأبقاه - فهو سيد عن سيد، لذلك لم يأت بشطط في القيادة، لأنّه لم يكن غرٌ عليها، ولا أتى بغفلة من الزمن، وإنما هي له وهو لها، فالقيادة الحكيمة هي التي حفظت عُمان، وذلك من عواصف ألمت بالمنطقة من فرط طغيان من ليس له في الحكم حكمة، وهو لعبة في يد غيره لا يعرف معنىً في حق الجيرة، أو قيمة للقيم ووشائج القربى بين الأمم، فقيمه وأدبه امتداد لقيم معلمه وموجهه الأجنبي. 

لقد ظلت عُمان ثابتة على الحق والمبدأ، يوم أخذ العرب يعزفون على سياسة النقيض والنقيض، فلم تشاركهم نهجهم وتحزبهم على بعضهم البعض، ولكنها أي "عُمان" ظل تشيح بوجهها عن تصرفاتهم الصبيانية، لأنّها لا تؤمن باللعب على التناقضات الهوجاء، فاحتار العرب بداية في شأن عُمان، ولم يكن أحداً ليلومهم يوم ذاك، لأنّ وقعْ عُمان على مسمعهم، ما زال وقعاً خفيفاً غير مألوف بعد للجميع، والكثير منكم - أيّها الأغرار- لم يكن بعد قد ولد، وظلت عُمان تسير على نفس نهجها المعروف لها، لكن أن يأتي من لا يريد أن يعرف شيئاً عن عُمان، فيقول أين عُمان منا؟ لماذا لا تلحق بنا؟ ونحن ذاهبون.. ولكنّهم ذاهبون إلى الهاوية!! إنّ عُمان لا ترقص طرباً على خيبة المغرورين، وإن كانت تعرف النتيجة سلفاً؛ لأنّ هناك دماراً سيقع على الشعوب التي ليس لها حيلة في الذي يحدث لها، وهذا يضير الضمير العُماني ويؤلمه، ولكن ما عساها أن تفعل، وليس هناك من يصغي لنصائح الناصحين.

إنّ من الأمور التي تحيّر بعض العرب - وعلى رأسهم أغرار السياسة - عندما يرون أن عُمان ترسل طائراتها لإحضار المصابين في التقاتل بينهم وهم أضداد، ولكن عُمان تنظر إليهم بعين واحدة، وهي بذلك تقوم بدور الشقيق الأكبر الذي تهمه مصلحة الطرفين، وفي نفس الوقت يؤلمه هذا التناحر العبثي، وعني شخصياً رغم إنّي أرى صواباً ما تقوم به حكومة السلطنة، ولكنني كرأي شخصي أرى أنّ الذي يقف مع أعداء وطنه، ومساند لهم بقوة السلاح، أراه مخطئاً، ولا يجب عليه أن يساهم في تدمير وطنه لصالح عدوه، ولكن الدولة العُمانية لن تنفك عن القيام بواجبها الإنساني تجاه الجميع، وذلك رغم قسوة المواقف الصبيانية ضدها.

إذن المروءة العُمانية لن تقدروا على وقفها أيّها الأغرار، فالذي تقوم به عُمان فوق فهمكم المحدود، وإنها تنصحكم بعدم توسيع الفجوة العدائية بينكم وجيرانكم في الجغرافيا، فلن يحل هذه المشكلة، إلا الحكمة والرضا بما قسم الله لكم من جيرة، فمهما حاولتم تحويل الأدوار في الأضداد، فلن يجري الفلك إلا بالقدر الإلهي، فاليمن لن تذهب بجغرافيتها إلى أستراليا، بل ستظل في جواركم إلى الأبد، والرجال لن تخضعهم قوة السلاح أو الرشاوي لأنهم ليسوا جبناء وكذلك ليسوا خونة، فأوقفوا الحرب العبثية التي تحصد الأرواح، ولن تحصدوا أي شيء آخر من الحرب، إلا زرع الكره والحقد والضغائن، ولكن ماذا نقول وقد أصبحت العقول خاوية من الفكر والحكمة.