بشار الأسد وجيله المُحارب

علي بن مسعود المعشني

 

ليس من اليسير اختزال ما جرى للأمة في سوريا في مقال أو كتاب أو مجلد، فما حدث يفوق استيعاب كل ذلك، لأنها مؤامرة بحجم الأمة وتاريخها وحضارتها لترويضها ثم إطلاق رصاصة الرحمة عليها، ولكنهم وكعادتهم أخطأوا في تقدير قوة الخصم هذه المرة ودهائه وحنكته وجلده ولم يدركوا أنّ التفرد بسوريا سيجعل منها قوة أمة تقاتل من أجل إثبات الوجود رغم كل مظاهر الوهن والضعف من حولها. لم يدركوا أنّ سوريا حضارة وتاريخ تتعدى الجغرافيا، ولم يدركوا أن سوريا ظاهرة انسانية وحالة ستستدعي شرفاء الأرض للدفاع عنها فغياب سوريا أو هزيمتها يعني في الضمير العالمي غياب وهزيمة قيم إنسانية لاتحصى وتعني انتصار الجهل والظلامية والتخلف والشر وشيوع ثقافات لا أخلاقية ولا إنسانية.

سوريا لم تواجه المؤامرة الكونية لوحدها بل تسلحت بزاد الأمة العربية من مجد وتاريخ وشرف وكبرياء وتطلعات لهذا وجدت في المؤامرة فسحة تاريخية لمواجهة الكبار وفق استراتيجية مبهرة وصبر عظيم أنتجا في النهاية نصرًا عظيمًا يليق بسوريا وبالأمة العربية.

حين نقول إن سوريا مدرسة راسخة وعميقة في إدارة الأزمات والاستراتيجيا وتأديب الطغاة وعبيدهم فنحن لا نتحدث بموضوع إنشائي ولابشحن إعلامي مفرغ من حقيقته، فالأزمة في سوريا برهنت بأنّ سوريا كيان صلب للغاية وعصي على المؤامرات وبارع جدًا في توظيف أوراقه وصبور جدا في اختيار الزمان والمكان للثأر من الخصوم بلا طقوس أو ضجيج أو مراسم.

لن نتحدث عن انتصارات سوريا ومكاسبها في هذه الأزمة بل سندع ذلك لاعترافات خصوم دمشق والذين وصفوها بـ "الصيدة" واعتقدوا أنّها مجرد أرنب بري أو طائر حبارى سيسقط بين مخالب صقورهم ثم يعودون مهللين لخيمتهم ليخططوا لصيدة أخرى، ولا الذين اكتشفوا بأنّ الوصول إلى كوكب المريخ سيرًا على الأقدام أو على ظهور الدواب أيسر وأسهل لهم من الصلاة في الجامع الأموي بدمشق، ولا الذين اكتشفوا بأنّ تعليم قطعان الحمير البلاغة والنحو والصرف أيسر وأسهل من إقامة إمارتهم اللا إسلامية في قلب الشام.

لا شك أن خيباتهم لا تعد ولا تحصى وتحتاج إلى فرق بحث متخصصة لجمعها والتذكير بها؛ ولكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن عبقرية القيادة السورية وكيف جعلت من نفسها محور الكون في لحظة تاريخية نادرة، وكيف وظفت العالم قاطبة للانشغال معها وبها فقط، وكيف أقنعت العالم قاطبة بأنّ المجد يصنع في دمشق فقط ومن فاته المجد الدمشقي فلن يظفر بمجد أبدًا.

عبقرية القيادة السورية ليست في تماسكها ولا بثبات مؤسساتها الحرجة وقياداتها المؤثرة وتناغم الأداء وثباته وتأثيره فحسب، بل في عظمة المنجزات والصبر على تنفيذ مراحل الاستراتيجية المضادة للمؤامرة وتفتيت حلقاتها بصمت وبتأثير بالغ.

الغريب في العبقرية السورية أنّها تبرهن وكعادتها على مكاسب تناقض المراهنين على سقوطها أو فقدها لحلقات مهمة من مراحل الأزمة، لا شك عندي أنّ القيادة السورية كانت ترى الأحداث من زوايا متعددة الأبعاد وأصبحت في مرحلة هي من يرسم السيناريو للخصم ويغريه بالطُعم بلا وعي منه ليقع في الفخ بكامل إرادته ووعيه.

نجحت العبقرية السورية في تدويل قضيتها فور شعورها بفداحة المخطط ورصدها لجسامته وهويته، فسوقته ببراعة للكبار وذوي الضمائر من شرفاء العالم فكانت المحصلة الفورية للدهاء السوري هو الفيتو الروسي الصيني المزدوج بمجلس الأمن الدولي والذي شكل صاعقة لدول التآمر ومناخًا سويًا لدمشق لتخطط استراتيجية مواجهتها بعيدًا عن قلق البند السابع واستباحة سيادتها وتمكين اللصوص من الأرض وعليها وبغطاء دولي، رغم أنّ أغرار السياسة قالوا إن التدويل يعني نهاية سوريا دون أن يدركوا أن سوريا كيان عميق وليست قضية للمتاجرة. كل الذين قاتلوا من أجل سوريا يدركون القيمة الحقيقية لسوريا وأثر سياساتها الإقليمية ويدركون أن سوريا هي مفتاح السلام والحرب في المنطقة، وكل حلفاء سوريا يدركون أنّ مصالحهم "مع" سوريا أكبر بكثير من مصالحهم "في" سوريا لهذا استبسلوا في التضحية والذود عن سوريا الكيان والسياسات والقيادة والعبقرية والمجد، واتفقوا جميعهم على أنّ دمشق هي خندقهم الأول والذي يجب عدم السماح لأحد بهزيمته أو انكساره. ولم يلتفتوا لأي عرض هنا أو هناك يغريهم بضمان مصالحهم في سوريا.

قبل اللقاء: سيمثل الرئيس بشار الأسد أسطورة صمود ومواجهة ودهاء تتحدث به الأجيال وتتناقله وسائط التاريخ ودفاتر أيامه كزعيم عربي واجه بصلابة ودهاء وصبر عظيم أكبر مؤامرة عرفها التاريخ البشري وفتت حلقاتها باستراتيجية ومراحل غاية في التأثير والنتائج.

وستصمت البنادق ذات يوم قريب في ربوع سوريا وسيدون التاريخ العربي بكل فخر وشرف صمود قُطر عربي يدعى سوريا وبسالة جيش عربي يدعى الجيش العربي السوري فالتاريخ يُصنع ولا يُهدي مجدا مجانيا لأحد ولا عزاء للخونة والمتخاذلين.

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com