تصاعد العقوبات المتبادلة بين عملاقي الاقتصاد يربك العالم

الصين وأمريكا.. حربٌ بلا بارود

...
...
...
...

التنين مؤهل للخروج من العرين.. والرد بالمثل استراتيجية ناجعة

الصين تواجه الهجوم التجاري الأمريكي بخطط للتنمية في آسيا وإفريقيا

بكين تدعم "حرية التجارة" بمزيد من الاتفاقيات و"التفاهمات" مع الدول الأوروبية

الرؤية - نجلاء عبدالعال

يواجه العالم في الوقت الراهن واحدة من أشد المخاطر الاقتصادية وطأة؛ إذ ثمة حرب مندلعة بين التنين الصيني، والعملاق الأمريكي، تدور رحاها في ميدان الاقتصاد، عبر سلسلة من الإجراءات العقابية والحمائية التي تطال البضائع المستوردة في كلا البلدين اللذين يمثلان أكبر اقتصادين في العالم.. إنّها إذن "حرب بلا بارود"، سلاحها الرسوم وذخيرتها زيادة الجمارك، والهدف المنشود تريليونات من اليوان والدولارات، وملايين الأطنان من البضائع تحمل شعار "صنع في الصين" أو "صنع في أمريكا".

 

دوافع الحرب لم تكن كما يظن البعض وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، بل ربما كانت هذه الدوافع هي الأسباب التي ساعدته في الوصول إلى المكتب البيضاوي.. إذ يبدو أنّ السبب الرئيسي وراء نجاح ترامب يتمثل في وعد أساسي واحد، وهو "جعل أمريكا عظيمة من جديد"، وهذا الوعد شمل ضمن هذا الشعار أن تعود جميع المصانع التي تعطلت إلى العمل، لتعود وتيرة استيعاب أيدٍ عاملة جديدة وخفض معدلات البطالة، وإعادة القوة الاقتصادية لأمريكا لتمسك من جديد بزمام قيادة الاقتصاد العالمي.

ولعلّ ما يمكن استيعابه أنّ من حق الدول والاقتصادات أن تحتل المكانة الدولية الأولى؛ بيد أن تشابك العلاقات والمصالح يضع مثل هذا الهدف في إطار من القيود والضوابط، فهذه الحرب التجارية بين بكين وواشنطن هي الأبرز حاليا، لكنها مجرد صورة مكبرة لكل ما تقوم به الإدارة الأمريكية الجديدة من "إعادة ضبط" لبوصلة علاقاتها الاقتصادية مع العالم كله، بحيث تكون كفة المنتجات الأمريكية هي الأثقل في الميزان التجاري مع الدول.

ترامب- الذي لا يخشى أن يُقال عنه متهور أو حتى مجنون- لن يتردد في اتخاذ أي إجراء يمكنه من تحقيق حلمه وحلم الناخبين الأمريكيين الذين منحوه أصواتهم، لذلك لم يهتم كثيرا بغضب الأوربيين منه وهو يعلن إعادة النظر في كل اتفاقيات التجارة بما يضمن مصلحة "أمريكا أولا"، ولم يلتفت إلى أية معارضة لخطوات تقاربه مع من يطلق عليهم "أعداء تاريخيين" إن وجد في التقارب معهم مصلحة اقتصادية، لكن عندما وصل الأمرة إلى أنف التنين الصيني فماذا كان يتوقع العالم سوى لهيب نيران.

أمّا الصين فقد اختارت منذ أكثر من 60 عامًا سياسة البناء في صمت، والانضواء تحت مسمى الدول النامية، بل ومازالت تتمسك بذلك، وترفض رفضا تاما أن تجعل عملة بلدها عند ما تستحقه من قوة، وهي بذلك لا تريد أن تعلن أن اقتصادها أصبح الأقوى، أولا لضمان الحصول على ما تتمتع به الدول النامية من إعفاءات واستثناءات، وثانيا لأنها ترى أن مازال أمامها الكثير لتحققه في الاقتصاد العالمي.

وداعة التنين؟!

ومع ما ظلّ عليه التنين الصيني من وداعة خلال العقود الماضية إلا أنّ وزارة التجارة الصينية، كان ردها واضحا وقويا عندما أشهرت الولايات أسلحة الاقتصاد ضدها، فقد قالت إنّ الصين "صدمت بسياسة الولايات المتحدة التجارية، وتعتزم اتخاذ التدابير المضادة اللازمة"، وبالفعل بدأت في هجوم مضاد عبر فرض رسوم على 128 منتجا تستورده من أمريكا، مقابل قائمة الرسوم الأمريكية على المنتجات الصينية والتي ضمت 1300 سلعة من المنتجات الصينية. لكن وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس قال "إنّ الرسوم الجمركية الجديدة التي ستفرضها بلاده بنسبة 25 بالمئة على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار لن تزيد على 50 مليار دولار سنويا، أي أقل من واحد بالمئة من الاقتصاد الصيني ومن ثم لن تكون شيئا كارثيا".

غير أنّه من الذي يحدد مدى التأثير؟ وما إذا كان كارثيا أم بسيطا؟

بالنسبة للصين هذه الخطوة الأمريكية بمثابة "مطب على الطريق السريع" فخطط الصين كانت تسير بسرعة كبيرة نحو معدلات تنمية غير مسبوقة، وتوسع في التبادل التجاري والتصدير إلى كل دول العالم، وإعلان أمريكا الحرب التجارية عليها، سيدفعها إما إلى تهدئة سرعتها فجأة، أو المجازفة بتغيير حاد للمسار، فلا يبدو الحلم الصيني بعيدا عن نظيره الأمريكي فالمتأمل للتحرك الاقتصادي الصيني يجده يتسارع رأسيا بمعدلات نمو كبيرة، وتراجع في معدلات الفقر والبطالة، ويتسارع أيضا أفقيا بتوسيع دائرة العلاقات التجارية والاقتصادية في قارات العالم ومناطق لم يذهب إليها أحد من قبل، وتعقد الصفقات والتحالفات وتبرم الاتفاقيات، وتتوج جهود الصين بمشروع تشرك فيه كل الدول المهمة عبر برنامج "طريق واحد- حزام واحد".

الصين التي بدأت الآن تلوح باستثمارات بالمليارات يمكنها أن تسبب التأثير الأعمق عندما ترد على الولايات المتحدة بعقوبات مضادة، خاصة إذا ما اجتمع المصابون جراء الإجراءات التجارية الجديدة للولايات المتحدة، وعندها قد يصبح الاقتصاد بلا أصدقاء مع التفاف الجميع حول فكرة واضحة وبسيطة وهي "التجارة الحرة"، فحرية التجارة تلك كانت محور الاتصالات واللقاءات المكثفة خلال الأشهر والأيام القليلة الماضية، وقبل أيام قليلة أعلنت الصين أنّها اتفقت مع الاتحاد الأوروبي على التكاتف من أجل تعزيز التعددية ودعم التجارة الحرة، وجاء الاتفاق في نفس يوم إعلان الصين قرارها فرض رسوم جمركية إضافية بأربعة معدلات مختلفة على بضائع مستوردة من الولايات المتحدة قيمتها نحو 60 مليار دولار أمريكي، وبوضوح قالت لجنة الرسوم الجمركية التابعة لمجلس الدولة الصيني "إذا تصرفت الولايات المتحدة بعناد وفعّلت الرسوم الجمركية الإضافية، ستطبق الصين على الفور الإجراءات الجديدة." - وفق ما نقلت عنها وكالة شينخوا الصينية الرسمية.

 

الهند على الخط

الصين لم تكن وحدها في هذا التوجه فالهند أيضا أعلنت فرض رسوم على العديد من الصادرات الأمريكية إلى الهند، مقابل فرض إدارة ترامب رسوما على الصادرات الهندية لأمريكا في محاولة لتقليص عجز الميزان التجاري بين البلدين، والذي تسجل أمريكا فيه عجزا بقيمة تفوق 31 مليار دولار، وإذا ما كان مجموع السوق الصيني والهندي فقط يمثل أكثر من ثلث السوق العالمي فيمكن تخيل ما قد تناله ضربات الإدارة الأمريكية الاقتصادية من دفاعات متينة تردها مدحورة من حيث أتت، وستكشف الأيام القليلة القادمة عن الكثير في هذه الحرب التي قد تستمر أو تركن أطرافها إلى هدنة أو معاهدة سلام اقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك