أرشفة الألم.. فارس عدنان أنموذجًا


سعد ناجي علوان - العراق


يمتد تاريخ اضطهاد الحريات وقمع أصحاب الرأي الحر إلى نشأة وتطور العراق ومع ذلك بقيت الثقافة العراقية تفتقر لمحاولات الأدب في معالجة ماجرى من ظلم وتنكيل أدى إلى أضرار جسيمة في بنية المجتمع العراقي وهدر طاقاته الخلاقة وفقدان الشجاعة الأدبية لمواجهة ماحصل والتمكن من رسمه على خارطة الوقت عظة وحكمة للأجيال القادمة.. سوى من محاولات فردية تشير إلى بقعة ضوء وسط هذا الظلام الكبير.
وكتاب /تحت سماء الارطاوية/طبع دار صافي..أميركا..٢٠١٨ ..للشاعر العراقي المغترب فارس عدنان.... حجر في بحيرة راكدة.... يعتبر العنوان أول عتبات الألم حين يقيد السماء اللامتناهية إلى بقعة صحراوية يقام عليها معسكر الاحتجاز /تحت سماء الارطاوية/ليبدو الحلم حينئذ شيء مستحيل... ثمة أمر آخر سيوسع أفق الألم  ويبدو كل شيء مجرد عبث عندما يقدم الحرس السعودي على قتل عدد من محتجزي المعسكر جراء حوادث لاتستحق أبدا سوى صلف وغباء العسكر وعدم فهم الدولة لدورها أصلا في استضافة هذا العدد من الثوار والخطأ الأكبر للجهة الدولية التي أقرت السعودية مكانا للمعسكر وهي لم تستضف لاجئا عاديا في تاريخها...
يبدو صوت الكاتب عاليا خلال صفحات سرديته وهو يصف ما حصل معه شخصيا دون الاشارة إلى تجارب الآخرين إلا بمقدار تفاعله مع مايحدث  فالمدونة صورة شخصية للكاتب خلال احتجازه في المعسكر.... وهي من جانب آخر تمترس للروح داخل قوقعتها ودرعها للحفاظ عليها من خطر الخارج وما يعرقل ربما خطوات حلمه بمغادرة الصحراء لبداية جديدة بعيدا عن الخوف والقهر وظل الدكتاتور الماثل في التهجير القسري من المعسكر إلى حدود العراق حيث القتل غالبا...
ولأنه شاعر بدأت خطواته الأولى في البحث عن أمكنة الكلمات ووسائلها .... وبمثابرته المعتادة ومساعدة موظف الصليب الأحمر حصل على صحف انكليزية ونسخة من سونيتات شكسبير والتي كنا نفضلها بترجمة جبرا إبراهيم جبرا، ثم تطور الاأر وحصل على راديو ترانزستر... وقد يبدو الأمر ساذجا لمن لايعرف السجن حيث الخوف من ضياع الفكر والتركيز والذاكرة لتنتهي الروح بعد ذلك إلى مجرد ثياب بالية لا تعي ماحولها.
تميزت لغة الكتاب بالحميمية الشاعرية وغنى التفاصيل وودها الكبير، إلا أن ذلك لا يخفي تخلي الكاتب عن كثير من الحكايات لألمها الذي لايحتمل.. كما أهمل الكاتب فارس عدنان التقيد في الزمن أثناء السرد، أو اتخاذه محطات تأريخية لما يحصل مما ساعده على الانتقال الرشيق والسلس في سرد مايريد وهو يتداخل بين الماضي والحاضر.. وبالخصوص عند حكايات اليساريين الذين مضوا بكفاحهم، أو أبناء يساريين تعرفهم عليهم في المعسكر.. مثلما حرص الكاتب على ذكر بعض الشخصيات التي عرفت بخفة وجودها..لكن كل ذلك يتم خارج تطور سياق الكتاب المعتمد على مسار شخصية الكاتب...
وهنا علينا الإشارة إلى روتينية وثقل الأحداث لعدم حدوث تطور درامي للحكاية وعدم تباين وتعدد شخصياتها.. مما فرض على الكاتب الإفادة من الحوادث التاريخية والتي تشير بتماثل واضح، أو بسيط مع مايحدث في المعسكر من عقوبات/حبس.. جلد.. سياط.. قتل.. حرمان. إلخ/ في كتاب موسوعة العذاب للكاتب عبود الشالجي وكتاب تاريخ العذاب في الإسلام للكاتب هادي العلوي لتكون إشارات مهمة بين فواصل الكتاب ولتبعد عنه الكثير من الروتينية والثقل ولتحيل القاريء إلى تاريخ مستمر من الاضطهاد... وهنا علينا أن نشيد بمحاولة الكاتب فارس عدنان المهمة مهما اختلفنا معه في أرشفة الألم ولو كان شخصيا ونحن نفتقد في مكتبتنا الثقافية لأدب السجون والمعتقلات..
يصل فارس عدنان إلى أميركا لاجئا بأحلام وتصورات واطمئنان وسكينة كبيرين... ولوعة مازالت تمسك بتلابيب الروح حين ينهي كتابة بالإشارة إلى أغنية الصفصاف للمطرب العراقي سعدون جابر حيث الوحدة والخوف والصفصاف الذي لايثمر ..حيث فارس عدنان الذي أبدل محتجز الارطاوية بمحتجز أكبر واوسع يسمى أميركا.

 

تعليق عبر الفيس بوك