حق الجار على الجار .. ضاع!

 

حمد بن سالم العلوي

لقد بلغت الصعلكة في السياسة مداها المُقرف، وهذا أمر ليس بنشاز على قوم دخلوا قصور المال، بعد زمن من شظف العيش، وصعوبة الحياة والمقام في مكان واحد، فالشَّبع من بعد جوع خلق لوثة ورعاشاً في النفوس العطشى، فصار بعد الشَّبع ضموراً في العقل، وانهدالا في البطن، ونتيجة للتغير والتحور والتخور مفردها خوار، فأخذ السلوك الصعلوكي يسبح بلا هدى ولا وعي، فطغت الطموحات إلى ما وراء المعقول إلى المجهول، وتضخم فيهم الأنا القاتل إلى درجة الهلوسة، والجنون المغرور، فصارت أحلام اليقظة، تحتل بلداناً بالوهم، وتطمس دولاً في الخيال بفرشاة رسام، والساقية تجري على غير هدى في غير مسقاها.

ونحنُ في عُمان إذ نحمد الله العلي العظيم، أن مَنَّ على عُمان بقائد فذ حكيم، استعاد مجدها التليد قبل أن يفلت الزمام، وحصّن الأمة من جن جنون الجوار، المكلوم بنزق الثروة والمال المشؤوم، فلو تُرك النَّاس كما كان زمان، لشرى فيهم الشرايون وباعوا، وذلك عندما يجدون شعباً يخلو من تحصين العلم والمعرفة، ومخضب بالجوع والعوز، فمن بين الشعوب هناك من يُعطي قيمة للمال دون الوطن، وأقصى همه أن يأكل وينام، ويترك الكرامة أمانة على المرفع، ولكن بالعلم والمعرفة زاد معيار الكرامة وعزة النفس حتى ضارعا الثريا في السماء، فهكذا قيادة قوية تصد الجوايح عن الوطن دون ضوضاء، أو فرقعات إعلامية، فعلاً يطمئن الشعب لسلوك القائد في حكمة السياسة ورصانة القرار.

وهناك المواطن المسؤول، الذي يُحسن التصرف ويذبُّ عن الوطن، بحكمة وأدب عُماني، خالٍ من الانفعال العاطفي، فعلى سبيل المثال، نحن نرى عندما يهاجم الذباب (الإلكتروني) الشيطاني عُمان، فإنِّه يلاقي مضرب الحق المناسب الذي يكشه، فيصطدم بحائط صد قوي من الوطنية الأصيلة، فلا تتركه ينفذ إلى الداخل العُماني الحصين، ودون أذى أو تجريح في حق الشعوب الأخرى.

لقد جرّب هذا الذباب الشيطاني، أن ينفذ من خلال مطالبة لـ (د.محمد المحروقي) إلى جهة عمله في شأن إداري يخصه هو، والموضوع لدى جهة إدارية معينة وغير حكومية، ولأنَّ النوايا الشيطانية كانت مبيتة ومتربصة، فقد ألبس هذا الذباب المطالب لبوسا سياسيا، وبدأ في نفث سمومه المشؤومة، فتصدى الوطنيون لهذا الغزو الفاضح، وحتى الدكتور مُحمد تدخل بنفسه، فقام بدور يدحض هذه الفرية، فهكذا جوار هل يُعقل أن نظل نطلق عليه مصطلح (الأشقاء) وهم يقومون بسلوك الأشقياء؟!! وهل يعقل أن نظل نقدم لهم قناطر العبور، ليعبروا من عليها بقاذوراتهم العفنة إلى جانبنا وبعلم منِّا؟!!.

إن المواطن الذي يُجدد حبه وولاءه لجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله وأبقاه - ليساوره شك كبير في سلوك بعض المسؤولين، الذي يرون فيهم عدم الجدية في العمل، لأنَّ العمل التنفيذي بيدهم، ومع ذلك لا يرون الإنجازات المهمة التي تطمئن المواطن على يومه ومستقبل أولاده، وإن المواطن يحاول قدر المستطاع، عدم إظهار تذمر من بعض الأوضاع، وذلك حتى لا يعطي مادة للأعداء يلوكون فيها الشأن العُماني، خدمة لأهدافهم القذرة، ولكن كثرة السكوت والصبر، قد ينجم عنه عدم رضا مُزمن، فقد لا يكفي أن يظل الناس يصغون للكلام والمواعيد البراقة، وذلك دونما منجز مهم مقنع يرونه، فهذا مشروع "تنفيذ" على سبيل المثال كان أملهم فيه، ولكنه يختفي عن الواجهة، ولم يعُد له طعم أو رائحة، فلا حلول اقتصادية ولا تجارية ولا تشغيل مُجزٍ، فالسؤال الذي يكرر نفسه، أين أنت أيها المسؤول؟ هل أنت في خندق عُمان والمواطن؟ أم في الخندق الآخر!.

ترى ألم يعد تاريخنا وجغرافيتنا ومرافقنا الضخمة تشفع لنا، حتى لا نذل أو نهان على الحدود، فعلى سبيل المثال، لماذا نترك المواطن الفرد، يذهب ليسوق بضاعته في دول الجوار، ويتعرض لسخرية مزاج موظف في الحدود، فيضطره إلى كب المنتج الذي عنده في مرادم البلدية، ولماذا نحن كافة إذا احتجنا إلى منتج ما، وهو ليس من إنتاج دول الجوار، فنذهب إلى جلبه من هناك، ونحن نعرف أن السفن التي أتت بتلك البضائع، قد ظلت تسير في مياهنا الإقليمية أسبوعاً على أقل تقدير، ونحن ملأنا شواطئنا بالموانئ الضخمة، ولكنها غير مُستغلة الاستغلال الأمثل، أصبحت وعدمها سيان، وهل يكفينا منها تلك الفرقعة الإعلامية الكبيرة؟ وهي لا تخدم الدولة أو المواطن بشيء، فقط لأننا لا نستطيع أن نكسر المألوف، ونستورد مُباشرة عبر موانئنا.

لماذا لا تكون لدينا شركات أهلية محلية، تقوم بالتصدير نيابة عن المواطن، فالشركة عندما تريد أن تصدّر شيئاً، فإنها ستؤمن له بداية شركة أخرى مستقبلة هناك، وكذلك الاستيراد، فإلى متى سنجعل لقمة عيشنا في أيدي الغرباء لا في أيدينا، على عكس كل دول العالم، في زمن مضى كانت عندنا شركة تسويق المنتجات الزراعية .. وأختفت، وكان الأمر الطبيعي أن تطور وترفد بأخرى، فأصبحت أسواق الخضار في أيدي الوافدين لا في أيدينا، ونحن مجرد متسوقين.

لقد أُرسل مقطع فيديو عبر الواتساب للتسلية وأظن أكثركم رآه .. ولكنه معبّر، فربما أجد فيه مثالا ينطبق على حالنا التجاري، ففي الفيديو مجموعة حيوانات أليفة، تركت ترعى في محيط مزرعة، وأحيط بها سور وله باب، عليه عمود خشبي، فظلت تلك الحيوانات إذا أرادت الخروج، تقفز من على العمود الخشبي، وبعضها لا يستطيع القفز، فيصل عند الباب ولكنه يعود أدراجه، فأحد تلك الدواب وهو يقفز، أتت رجله بالخطأ على العمود فوقع على الأرض، فحلت المشكلة الوهمية أمام بقية الحيوانات، فخرجت جميعها دون عائق نفسي، وعلى ما يبدو فإنَّ التجار في عُمان، ما زالوا يظنون أن العمود الخشبي، لا يمكن تحريكه من مكانه، لذلك سيظلون مقتنعين بأنه لا يجوز الاستيراد مباشرة إلى عُمان، حتى ولو أنشئت فيها الموانئ الضخمة، وإن الكثير منا سيظلون يفضلون إعادة الاستيراد من دول الجوار.

ألا من مُرفسٍ يرفس لنا هذه العقد الوهمية؟ والإجراءات العقيمة غير الوهمية، وألاّ نظل نتكئ بفشلنا على اسم عُمان وتاريخها وجغرافيتها، فالجوانب السلبية يجب أن تغير إلى إيجابية، فالعُمانيون الأوائل لن ينهضوا من قبورهم، ليعلمونا كيف صنعوا من عُمان دولة عظيمة، وكيف جعلتهم هذه الجغرافيا المتميزة، يؤسسون لإمبراطورية عظيمة، وذلك دون أن يأتوا بالمصانع من اليابان والصين، فقط لأنهم كانوا مخلصين وصادقين، وإراداتهم لا تهزها أمواج البحار العاتية، أو تخيفها الجبال الشاهقة، ترى لماذا نشعر بالدونية في التجارة؟ ونحن الأقدم والأجدر في المنطقة، فإذا كنَّا في سبات عميق قبل عام السبعين، فقد أتى من يوقظنا، فلماذا لا نستيقظ ونصحى؟! لقد آن الأوان إلى استحداث فلسفة جديدة للعمل، أما أن نظل مثل ثور الزاجرة، نسير على نفس خط واحد ونعود فيه، فلن نحرك ساكناً بهذه الطريقة، ولو قضينا مائة عام أخرى.